TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: عمارة الباشا

وقفة: عمارة الباشا

نشر في: 7 إبريل, 2010: 05:59 م

محمد درويش عليعمارة الباشا ليس عنواناً لفيلم مصري أو هندي، أو مسلسل عراقي،أو دعاية لمحل لبيع  العطور، وانما اسم لعمارة تقع في بغداد وفي حي من أحيائها الفقيرة، تسكنها مجموعة من الكسبة  في الحي المذكور، الذين يبحثون عن قوت يومهم بشرف ونقاء، سواء على الأرصفة كباعة أو في مساطر العمال، أو في دوائر الدولة كموظفين من الدرجة الدنيا، هؤلاء   الذين بخلت عليهم الحكومات المتعاقبة
بمئة متر كي يسكنوا فيها، وارتضوا العيش في مثل هذه العمارة التي تبخل عليهم بالماء صيفاً، وبالمصعد شتاءً وصيفاً، ولم يتركهم الإرهاب وذوو الضمائر الميتة الذين يعيشون على السحت الحرام، عند هذا الحد الأدنى من المعيشة التي ارتضوا بها، وانما قاموا بتفخيخ عمارتهم وجعلوا منها هباءً منثوراً خلال ثوان معدودة، رامين بكل أحقادهم عليهم  وامتزج من كان  فيها مع التراب، بعد ان نزلت على الأرض وباتت أنقاضاً، ولم تبق سوى الأطلال منها والجثث التي فقدت فيها. هكذا كان الحال في منطقة حي العامل يوم الثلاثاء الماضي في الساعة العاشرة صباحاً، ولم يتضرر فقط سكان العمارة وانما باعة البسطيات الذين قضوا على البطالة ببسطياتهم،وكذلك  الذين كانوا ينتظرون دورهم لشراء الصمون من فرن الباشا الذي تحت العمارة،وبائع العطور الذي تناثرت عطوره في الهواء  وكيك الأعراس، وكل من كان قريباً من مكان الحادث الإرهابي، وتضررت بيوت الناس وتناثر زجاج شبابيكهم، ودخل الرعب في قلوب سكان الحي المذكور، اذاً كلهم بسطاء وفقراء ولا يملكون من الدنيا شروى نقير، وليست لديهم طموحات في شراء جزر في بلاد أوروبا وغير ذلك. قتلهم الإرهاب اللعين في غفلة من أعين الجهات الأمنية، ولكن شباب حي العامل،ردوا على هذا العمل الجبان بإقامة مأتم لهم في عصر ذلك اليوم، ليوصلوا رسالة الى هؤلاء الإرهابيين، بأن كل قطرة دم أريقت هي زكية والذين يبقون من بعدهم متمسكين ببلدهم ويبقى لهم، أما هم،أي الإرهابيون، فمكانهم مزابل التاريخ، لقد جاء كل واحد من شباب ونساء الحي بوردة وشمعة وعود بخور ليعطروا الجو بها وهكذا خلال لحظات من هذه المبادرة التلقائية، أنير الجو على أنقاض عمارة الباشا بضوء الشموع وامتزج مع رائحة البخور والورود، وكان المشهد عبارة عن ضوء أشع على وجوه الحاضرين، وعبر عن مشاعر التضامن عند كل العراقيين في السراء والضراء وان من يقوم بمثل هذه التفجيرات هو ليس من البيت العراقي وانما غريب يسعى لشق الصفوف وزرع الفتنة بين الناس.. الرحمة لشهداء الثلاثاء وغيره من الأيام والعار للقتلة دائماً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عصام الجبوري

    مع الأسف الشديد لم يتم محاسبة من قامو بالتفجير او المتسببين بالحادث واحد المشاركين في التفجير. من خلال قناة الشرقية يعترف انه قام بدفع مبلغ ١٠٠ الف دولار حتى يخرج من السجن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram