عامر القيسيrnمن الاشياء الغريبة في عمل مهنة المتاعب اننا نقع ضحية تصريحات المسؤولين، وفي احيان كثيرة نتحول الى كماشات نار بديلا عنهم، ليس رغبة منّا في لعب هذا الدور، فهو ليس من مهامنا ، لكن ثقتنا بالمسؤول، السياسي والبرلماني والحكومي، الذي يستغل ثقتنا لتمرير توجهاته الخاصة،
او ارسال رسائل من المفترض ان لانحملها نحن، فسعاة البريد السياسي كثر والحمد لله. هذا مأزق حقيقي عندما تكون في مواجهة عضو مجلس نواب منتخب، الراحل منهم والقادم ، يدلي بتصريحات لاعلاقة لها في الواقع ، احد النواب قال ، لقد اتفقنا مع القائمة أو الائتلاف العلاني وان الموضوع قيد التوقيع البروتوكولي ، وعندما تتصل بالقائمة او الائتلاف المعني ، ينفي لك الخبر جملة وتفصيلا ، بل يبدي استياءه من هكذا نواب أو سياسيين يجيدون الكذب اكثر مما يجيدون فن التفاوض والبناء وتغليب مصلحة الناس على مصالح شريحة معينة .وسياسي يقول لك ، على سبيل المثال، هذا كلام انا مسؤول عنه، وعند نشره، يتملص منه ويدعي بان الصحفي اساء فهم نص تصريحه، وحتى باستخدام اجهزة التسجيل ، بما في ذلك الموجودة في الموبايلات ، يقول لك الاخ، الذي قصدته ، كذا وكذا وليس مانشر عن تصريحي. وعلى هذا المنوال المئات من الحالات التي توقعنا نحن فقط بالاحراج اولا وضعف مصداقية القارئ بالصحافة ثانيا، وربما سيجد القارئ ان افضل توصيف لمثل هذه الحالات هو" كلام جرايد.الطريف في الأمر ان الكلام "الملبلب" الذي تصنعه للمسؤول، يلقى كل الترحاب والشكر منه حتى وان لم يكن قد قال حرفا واحدا فيه ، والعكس ينقلب عليك وبالا من التوصيفات التي ليس اقلها "عدم الامانة الصحفية" و "التلاعب بالالفاظ "و" عدم المهنية" . وهذه ايضا ظاهرة في الوسط السياسي تشكل بالنسبة لنا معوقا حقيقيا في انسيابية العمل ، لانه يتوجب عليك ان تتأكد من مصداقية حديث السياسي أو البرلماني أو المسؤول الحكومي قبل ان تبدأ بالكتابة والتحليل وتقديم عصارة عملك وفكرك الى القارئ، الذي يفترض فيك هو الآخر الامانة والموضوعية. المزعج في الامر اننا، بحكم ثقتنا بمن انتخبناهم، نتحول في بعض الاحيان الى مروجي أكاذيب، لان افتراض الشك والريبة عند قمة الهرم السياسي، يعد خللا حقيقيا ، ويشكل شرخا ليس بين السياسي والاعلامي، انما بين السياسي نفسه وجمهوره، فحبل الكذب قصير،كما يقال، لكن آثاره النفسية تمتد لزمن طويل، ان هذا الحبل القصير يتمتع بسمة تأثير سلبية قوية جدا ، من الصعوبة جدا معالجة آثارها بزمن قصير. وربما تكون مقولة "كلام جرايد "قد جاءت لكثرة الاكاذيب التي كان المسؤولون يطلقونها للجمهور من خلال الاعلام ، ثم يكذبها الواقع والتجربة ، حتى اقتنع الناس بـ " الاكاذيب" واطلقوا مقولة "كلام جرايد" على كل حديث لاعلاقة له بالواقع أو مخالف له أو لاتزكيه الحياة ، حتى على مستوى الاحاديث الاجتماعية وربما العاطفية ايضا عندما لاتقتنع المرأة بكلام الرجل ،فترمي الجملة المشهورة في وجهه "روح هذا "كلام جرايد"!
كتابة على الحيطان :تصريحات المسؤولين
نشر في: 10 إبريل, 2010: 07:10 م