د . احمد الوزانلماذا تباع بعض انواع السلع باسعار زهيدة مدعومة حكوميا بادعاء أن تلك هي سلع عامة او سلع أساسية (أحيانا) تمس قوة الناس المعوزين الفقراء ؟ بينما تعد الحكومة وسياساتها الاقتصادية هي سبب ذلك العوز والفقر اذ شوهت تلك السياسات عن قصد او من دون قصد آلية عمل الأسواق،
فان كانت تلك مصيبة فان الدراسات الاقتصادية المرموقة تشير الى ان ذلك التدخل يعد اكثر من مصيبة ذلك ان التشوه الذي يحدثه تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية لن يكون من السهل ابدا إزالته، ومن المهم ان يدرك ايضا ان الحكومة تتدخل باسلوب الآمر الناهي وفقا لتقديراتها السياسية لا الاقتصادية .وعلى ضوء هذا المدخل البديهي نقول: الم يكن الاجدر بالحكومة اية حكومة ان تستوعب الدرس التأريخي وتترك اسحواذها غير المبرر باساليب المصادرة والتاميم بغير تعويض وسواها من وسائل القسر، ولكل متشكك نقول ان المال العام الذي تستوحذه الحكومة يذهب الى:أولا: دعم حكومي مبالغ فيه نسبة الى حجم إمكانات التمويل المتاحة للمستهلكين، وهو يمثل تاسيسا لمنابع ممارسة الفساد الحكومي الكبير من جهة، ويكون حافزا لاماتة نشاط الناس وجعلهم كسولين من جهة اخرى ، كما هو شأن البطاقة التموينية او شبكات الحماية الاجتماعية . ثانيا : دعم حكومي للمنتجين وهو يمثل تاسيسا لتكاسل المشاريع الانتاجية ويحث اداراتها على اغفال الكفاءة والجدوى الاقصادية ويقتل بجدارة قدرات التنافس للمنتجات المحلية ازاء المنتجات الاجنبية .ثالثا: يضخم حجم الانفاق الحكومي في الموازنة العامة، وهذا في الغالب يكون استثمارا غير رشيد اقتصاديا ويسبب ازاحة مورد مالي مهم لتمويل المشاريع الخاصة في اطار نظرية المزاحمة، كما يوفر مصدرا تمويليا مهماً يحفز الحكومة على زيادة الانفاق غير المنتج كالانفاق العسكري الاستيرادي والمبالغة في استنهاض اجورهم كسبا لولاء العسكر ، وما يترتب عليه من موجات ارتفاع في المستوى العام للاسعار تجعل من الصعب معالجته مستقبلا لكون التضخم يغذي تضخما لاحقا .رابعا: تمويل غير مجدٍ للخدمات العامة اذ تقدم الخدمات العامة على حياء وبأردأ ما يمكن تصوره من نوعية ، فتتراكم اعداد هائلة من الطلبة خريجي الاختصاصات غير المطلوبة سوقيا ، وتخلق فرص عمل كاذبة لا منتجة فتتفاقم مشكلة البطالة المقنعة كما تسمى في الادب الاقتصادي ، وبذا تختل العلاقة بين مخرجات سوق العمل ومتطلباته وما يترتب على ذلك من تحويل مؤسسات القطاع العام الى مجرد ملاذ آمن للعاطلين من دون ان يسهموا بشيء يمكن ان يبرر حصولهم على اجر وكأن مؤسسات الدولة تصير اداة لكسب الناس لمبلغ ضمان اجتماعي او اعانة بطالة .ان سوء استخدام المال العام لا يقتصر تاثيره السيئ على الاقتصاد فحسب، بل يذهب التاثير ليصيب السياسة فيعزز بذور الدكتاتورية ويصيب الحريات العامة حيث مؤسسات الإعلام الحكومية التابعة للحكومة والتي تمارس شتى صنوف التضليل لا لشيء سوى ان كوادرها يعتاشون على تمويل الحكومة لمؤسساتهم من المال العام.اما لو ترك المال العام بالية السوق ياخذ مساره التلقائي بالتوزيع ليذهب الى ملاكه الحقيقيين من الناس (القطاع الخاص) وفق آلية تحددها الحكومة الحرة الديمقراطية طبعا فلننظر ماذا سيحدث؟ سيذهب المال:اما الى الناس للاستهلاك وقد يتبقى شيء يذهب الى الادخار وقد يشكل ذلك الادخار نواة التمويل المستقبلي للاستثمار الخاص وفي كلا الحالتين سيكون للاستهلاك او الادخار دور ايجابي بتحفيز الاستثمار،او يذهب المال الى الناس للاستثمار وهذا عين المراد اذ ينمو الاقتصاد رويدا رويدا وتتسع قاعدته وتخلق الدخول من جديد ويرتب السوق مراتب الاجور ومستوياتها بحسب الندرات والمهارات ودرجات المخاطر، وتشخص مقادير الارباح للمنظمين بحسب جدارة منتجاتهم وقدراتها على اشباع الطلب محليا ودوليا بسعر ونوعية لابد ان تكونا بجدارة التنافس الدولي . وهكذا يتيح السوق الفرص العادلة امام الناس، للمستهلكين ليطوروا مقدراتهم المعرفية ومهاراتهم كي يستحوذوا على دخل اكبر تحت ضغط اساليب الانتاج التي تتطور باضطراد ، مثلما سيتيح السوق الفرصة العادلة ايضا للمنتجين ليطوروا منتوجهم بتغيير مضطرد لاساليب الانتاج تحت ضغط المنافسة الدولية وبراحة توافر الادخار المحلي مصدر تمويل الاستثمار الخاص الرئيس.وهذه الصورة المبسطة تزداد تعقيدا بمرور الازمان وهنا يجدر التاكيد ان لا وسيلة قادرة على حل اشكالية تعقد الحياة الاقتصادية سوى السوق ، ومن هنا نحذر من (مخاطر لا من مساوئ) التدخل الحكومي اذ ان اي تدخل هنا سيؤدي الى تشويه للسوق يصعب ازالته كما نوهنا آنفا .وهكذا ينشط الاقتصاد الليبرالي ويبدأ الحراك للمؤسسات المالية والنقدية المحلية والاجنبية . لتتبادل الخبرات والمعارف وسيكون للاستثمار الاجنبي مطامح للدخول الى سوق البلد واقتناص مغانم الارباح بجدارة اقتصاد ذلك البلد لا بتسوله للمال الاجنبي.وهنا سيكون دور للحكومة وأي دور، فستكون بجدارة استحصال الضرائب بتوافر الاستثمار الخاص بل ستتمكن حتى مؤسسات الحكومة ان تعمل بمشروطيات الكفاءة ملزمة لا مخيرة والا فان القطاع الخاص المحلي والاجنبي سيكو
الاستحواذ على المال العام..أحقية من؟!
نشر في: 12 إبريل, 2010: 04:29 م