سعد محمد رحيم حتى هذه اللحظة، لا نمتلك منظومة مؤسساتية مستقلة وفعالة تختص بالبحث العلمي، في ضوء المنهجيات الحديثة في حقل الدراسات الإنسانية، لدراسة مجمل الأحداث والظاهرات والتحولات التي يزخر بها تاريخنا المعاصر،
والتي تركت آثارها على أفكارنا وسلوكنا وطبائعنا وقناعاتنا وتوقعاتنا لتتحكم من ثم باتجاهات مستقبلنا، إلى حد بعيد.وإذا كان الإنصاف يقتضي ألاّ ننكر وجود دراسات رصينة بهذا الصدد أعدّها مثقفون وإعلاميون ومفكرون وباحثون أكاديميون تناولوا من خلالها جوانب من حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن تلكم الدراسات تبقى غير كافية للتعرف بعمق على صورة وضعنا الراهن بعللها وتناقضاتها وصراعاتها واحتمالات تقلباتها. تعتمد مراكز صناعة القرار في الدول المتقدمة على معلومات المؤسسات البحثية وتحليلاتها وتوقعاتها عند رسم السياسات والبرامج واتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية، ولابد من توفير إمكانات مادية وتقنية كبيرة لهذه المؤسسات ناهيك عن فتح قنوات المعلومات الأساسية لها، ليكون بمقدورها إنجاز مهامها البحثية بشكل علمي وموضوعي دقيق. والسياسي الذي لا يستند إلى حقائق الواقع لن يكون بمستطاعه الوصول إلى التقويم الصحيح والقرار الصائب، ذلك أن الحقائق ليست واضحة وفي متناول اليد دائماً، بل هي في الأغلب الأعم زلقة ومتبدلة ومقنّعة ومخفية وبحاجة إلى من يمسك بها بجرأة، وينفض عنها الغبار، ويعرضها في النور والهواء الطلق. وهذه وظيفة مؤسسات الدراسات والأبحاث التي تؤثر في الرأي العام أيضاً، وتهيئ الأرضية الاجتماعية والسيكولوجية لتقبل القرارات والتغيرات الحاسمة، وفي العراق بعد سقوط نظام صدام حاول بعض المثقفين والإعلاميين وبجهود فردية أو جماعية محدودة إيجاد مثل تلك المؤسسات إلا أنهم اصطدموا بعقبتين الأولى مادية والثانية صعوبة الوصول إلى مصادر المعلومات. ومع ذلك كان كثر من استطلاعاتهم وتحليلاتهم ودراساتهم وبحوثهم ذا فائدة لا تُنكر. وهنا أرى أولاً ضرورة خلق مؤسسة بحثية عراقية كبيرة تدعمها الدولة ومؤسساتها العلمية والأكاديمية والثقافية خاصة بدراسة ظاهرة العنف والإرهاب في مجتمعنا. هذه الظاهرة التي راحت تنخر في جسدنا الاجتماعي والسياسي وتهدده في الصميم.ومن البديهي القول أن المقدمة لإنهاء أية ظاهرة سلبية ومؤذية تكون بمعرفتها والقوى التي تغذيها بدقة وعمق. وعلينا في البدء الإجابة عن أسئلة كثيرة تتعلق بهذه الظاهرة من قبيل؛ ما هو جوهر سيكولوجية العنف؟ وما هي أسبابه الاجتماعية؟ ولماذا تلجأ شرائح أو فئات من مجتمعنا دون غيرها إلى العنف في سلوكها؟. لماذا تزداد معدلات الجريمة، وكيف تتشكل عصابات الجريمة المنظمة، وفي أي الأوساط الاجتماعية ولماذا؟. كيف دخل الإرهاب إلى بلدنا؟ ما هي موجهاته الإيديولوجية؟ ما أشكاله وأساليبه؟ وكيف وجد له مراتع وحواضن في مناطق بعينها؟. وما السبيل إلى تفكيك فكره ودحضه علمياً وبصيغ مقنعة، وتحصين الناس ولاسيما الشباب كي لا يقعوا ضحية إغراءاته، وتضييق الخناق عليه، وتجفيف منابعه؟.وقطعاً ثمة ظاهرات عديدة أخرى تسم مشهدنا العام وتعطيه طبيعته واتجاهات تغيراته وتحولاته، وهي جميعاً بحاجة إلى دراسات وأبحاث لن تنهض بمسؤولية إعدادها سوى مؤسسات علمية وبحثية وطنية مخلصة وجادة.
وقفة :لنبحث في ظاهرات واقعنا
نشر في: 12 إبريل, 2010: 05:55 م