محمد درويش علي حينما تطأ قدماك شارع المتنبي يأخذك اليه ويجعلك متآلفاً معه ؛ فتشعر وكأنك في مكان تعرفه منذ زمن طويل ؛ الوجوه والكتب والجدران والأرصفة ؛ وسرعان ماتتذكر الأيام التي قضيتها هنا في هذا المكان ؛ وتتذكر الاصدقاء الذين هاجروا من تردي الأوضاع آنذاك مثل أسراب الحمام وتركوا لنا الوحشة والألم والذكريات نجترها في كل يوم ؛ واليوم عادوا فرادى وجماعات.
شارع تثقفت فيه على كتب دوستوفسسكي وبلزاك وهمنغواي وبودلير ونجيب محفوظ والسياب وسارتر ؛ شارع شيعت فيه يوسف الحيدري وعايشت فيه الأدباء الذين تخلوا عن مكتباتهم ووقفوا في الشارع ليعلنوا عن بيعها ؛ وألاّ يمدوا أيديهم الى السلطة أو يبيعوا أقلامهم من أجل بضعة دنانير. ذكريات وذكريات لاشيء غير الذكريات المتلاطمة في النفس وهي تبحث عن الذي يستمع اليها، ليصوغها حنيناً. يوم الجمعة الماضي كنت في شارع المتنبي، وأدرت حفل الاحتفاء بالقاص العراقي الكبير محمد خضير،والذي أقامه بيت المدى للثقافة والفنون، وشاهدت الجمهور الكبير الذي حضر الاحتفال وكان منشغلاً مع كل صغيرة وكبيرة، يتابع ويدقق ويسأل وفي الجانب الآخر كان هنالك جمهور آخر يعيش عالماً آخر عالم البحث عن الجديد من الكتب، وعالم ثالث كان عالم الغناء الذي أداره الفنان الشاب محمد الهوى ومجموعة من الشباب معه، نجحت الفعالية كما هو شأن الفعاليات الأخرى التي يقيمها البيت الذي استحدثته المدى بعد تفجير السوق من قوى الظلام، وأعاد للشارع هيبته. وبعد الاحتفالية تجولت في الشارع فكانت حيويته أكثر من السابق، بكثرة الإصدارات التي توزعت على الأرصفة، والإقبال الكبير على الشراء، كتب دينية وسياسية ومراجع تاريخية ولغوية ومجلات قديمة وحديثة. أحد الباعة همس لي قائلاً: المدى منحت السوق هذه الاهمية ولاسيما بعد الانفجار الذي طاله وأضاف: الفعاليات التي تقيمها المدى تجعل جمهور السوق يتوافد بكثرة عليه وهذا ما يجعلنا نبيع أكثر من السابق، نتمنى ان تستمر الفعاليات يومياً وليس يوم الجمعة فقط. لقد كانت القوى الظلامية تريد من وراء تفجير الشارع ان توقفه عن أداء واجبه تجاه المثقفين العراقيين والزوار العرب والأجانب، ولم تحسبها حساباً صحيحاً وتناست ان الأماكن التي من هذا النوع والتي لها أرتباط بأساسيات الإنسان ولاسيما اذا ما كان له ارتباط فكري لن يزول أو يتوقف، وانما يستأنف نفسه بسرعة وينهض من بين أنقاضه وتعود اليه الحياة. هذا ما حصل مع شارع المتنبي وهكذا عاد من جديد لناسه وأهله بشكل أقوى من الأول، فهذا هو مقهى الشابندر بحلته الجديدة يحتضن الادباء والمثقفين بنقاشاتهم الحادة، وها هم باعة الكتب وهاهي المكتبات التي احترقت ومنها مكتبة الحنش ومكتبة الشهيد عدنان، وهاهو بيت المدى يطرز الشارع بفعالياته المتنوعة كل أسبوع ومكتبته المفتوحة طوال الاسبوع. نهض الشارع من جديد ليعلن أنه معافى ,انه يتآلف مع رواده من جديد، ويمنحهم زادهم الفكري.
وقفة: شارع المتنبي يتجدد
نشر في: 14 إبريل, 2010: 05:56 م