الطيب صالح كاتب روائي معروف عالميا في الأوساط الأدبية بإنتاجه الأدبي الروائي الواسع الانتشار ومشاركاته الفكرية والثقافية الواسعة في المحافل العربية والعالمية، وعلاقاته الممتدة في تلك الأوساط مع كبار أدباء العالم وعلمائه وساسته في المؤسسات الإقليمية والدولية، فهو شخص معروف محليا في السودان وطنه الأول،
وعربيا من المحيط إلى الخليج، وعالميا من لندن إلى باريس؛إذ قضى ما يقرب من ستين عاما متنقلا بين تلك الأوساط زمانا ومكانا، مدرسا وإعلاميا وإداريا وخبيرا وكاتبا روائيا وصحفيا ذائع الصيت، له أصدقاء وجمهور وصلات رسمية وشعبية في كل بلد.نحاول في هذه الورقة الموجزة تسليط بعض الضوء على مسيرة حياته وأدبه وإنتاجه الفكري والثقافي، محاولين الوقوف على محطات حياته وسيرته من ميلاده حتى وفاته، ناظرين بمنظارنا الخاص، مستفيدين من فيض ما كتب حوله من كتب ودراسات ومقالات.1- الطيب صالح - أو عبقري الرواية العربية" كما جرى بعض النقاد على تسميته- أديب عربي من السودان، أسمه بالكامل(الطيب محمد صالح أحمد) ولد عام (1348هـ - 1929م) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن (التي أقام بها) في ليلة الأربعاء 18 شباط 2009 الموافق:23 صفر 1430هـ. عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم, وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته وسافر إلى إنكلترا للعمل والدراسة.2- تعليمه : درس الطيب صالح المرحلة الابتدائية في بلدته بشمال السودان، والمتوسطة ببور تسودان على شاطئ البحر الأحمر، وبذلك أتيح له أن يعيش في بيئة البحر كما عاش طفولته وصدرا من شبابه في بيئة النهر في قريته المطلة على نهر النيل من الجهة الغربية، وكان لهذا أثره في توسيع خياله وتفتح قدراته الإبداعية مستقبلا .وقد واصل دراسته فدرس المرحلة الثانوية في مدرسة وادي سيدنا الثانوية بالخرطوم، وهي إحدى ثلاث مدارس ثانوية كبيرة آنذاك في السودان، في عهد الاستعمار الإنكليزي للسودان.التحق الطيب بجامعة الخرطوم فدرس بكلية العلوم وعين معلما بالمرحلة الابتدائية بوزارة التربية السودانية لثلاث سنوات، ثم التحق بالقسم الثقافي في هيئة الإذاعة البريطانية كما التحق هناك بجامعة لندن ودرس الشؤون الدولية السياسية .3- مصادر ثقافته: استقى الطيب صالح ثقافته الموسوعية ومعارفه الواسعة وعلمه الغزير بالدنيا والحياة والناس، من عدة مصادر أسهم كل مصدر منها بنصيب قليل أو كثير في تكوين تلك الثقافة المتنوعة، منها ما ذكرته من بيئته المحلية ودراسته النظامية، وقد كانت المدارس يومئذ قليلة جدا في السودان الذي كان يرزح تحت نير الاستعمار الإنكليزي، وقد كان الطيب من المحظوظين القليلين الذين وجدوا نصيبهم من التعليم النظامي في تلك المدارس الحكومية القليلة، وقبل ذلك تعلم الكتابة والقراءة ومبادئ الحساب وحفظ كثيرا من القرآن في تلك الكتاتيب الشعبية التي يسميها السودانيون بالمسيد أو الخلوة، وقد كان يقوم عليها شيخ من شيوخ الدين يعاونه أهل القرية أو الحي كل بما تيسر له، وهذا في كل قرية من القرى الكبيرة وأحياء المدن .وقد كانت تلك المدارس الحكومية القليلة قوية جدا في نظامها التربوي والتعليمي ومدرسيها ومناهجها التي كانت تدرس باللغة الإنكليزية عدا منهجي الدين واللغة العربية.، وهما مادتان هامشيتان وقتئذ .وقد كان في كل مدرسة مكتبة كبيرة مليئة بالكتب العربية والإنكليزية من كل نوع ولون بالإضافة إلى الصحف والمجلات الصادرة في العالم على قلتها في تلك الأيام، مثل مجلة الرسالة التي كانت تصل من مصر، وكذلك دواوين كبار شعراء العربية قديما وحديثا، فتعلم الطيب في هذه المدارس حب الاطلاع العام والقراءة الحرة والنقاش المفتوح على كل الاتجاهات مع زملائه ومدرسيه .وهذه العادة- عادة حب القراءة والاطلاع على كل جديد- ظلت ملازمة له حتى آخر أيام حياته، فكان ذلك هو أكبر منابع ثقافته ومصادر علمه ومورد خياله الواسع المجنح.4- لغته العربية والأجنبية: كان الطيب واسع العلم بالعربية والإنكليزية والفرنسية، فقد كتب وحاضر وخطب بهذه اللغات الثلاث في كتبه ومقالاته ومحافله الرسمية والشعبية، وكان يمتلك ناصيتها جميعا فيعبر بها فصيحا بليغا في غير تقعر ولا تكلف، يأتيك كلامه منسابا متسلسلا كجدول ماء رقراق هادئ، كما يقول صديقه وأحد أكثر الناس قربا منه الأستاذ طلحة جبريل الذي أصدر كتابا عنه:" كان الطيب صالح في كتاباته شديد الاحتفاء باللغة، يلتقط التعابير والمعاني كأنها مسكوكات في يد صائغ ماهر، ومنمنات يطرزها تشكيلي بارع. عندما تطرق آذانه جملة رشيقة أو كلمة لها رنين يطرب لها كما يطرب الناس للشدو الجميل" .5- أعماله المهنية: تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية ، فبعد تلك الفترة القصيرة في التدريس عمل لسنوات طويلة من حياتة في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة الثقافة والإعلام وكيلاً لها ومشرفاً على أجهزتها. وعمل بعد ذلك
الطيب صالح
نشر في: 16 إبريل, 2010: 04:36 م