شاكر النابلسي إن الوحدة العربيـة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وبدايات القرن الحادي والعشرين، بحاجة إلى إعادة نظر جديدة، وبحاجة إلى عدة مشاهد وسيناريوهات حديثة، تتماشى وتتلاءم مع المتغيرات المستجدة التي طرأت على الساحة العربية والساحة الدولية.
فهناك عدة مستجدات ومتغيرات طرأت أولاً على الساحة العربية، يمكن أن نستعرض بعضها الآن.rnالمستجدات والمتغيرات على الساحة العربيةمما لا شك فيه، أن وميض القومية العربية قد خبا بعد رحيل عبد الناصر، ثم بعد توقيـع مصر على اتفاقية كامب ديفيد في 1979، ومقاطعة العرب لمصر نتيجة لذلك، ونقل الجامعــة العربية من القاهرة إلى تونس، وطرد مصر منها لأول مرة، منذ إنشاء الجامعة العربية عام 1945. وقد أحـدث ذلك ردة فعل كبيرة لدى الرأي العام المصري الذي عاد إلى مصريته القديمة، وأخذ يبحث عن عروقه من جديد في تراث الفراعنة. وجـدد مفكرون كثيرون، وعلى رأسهم لويس عوض، وحسين فوزي، وتوفيق الحكيم، وغيرهم الدعوة الفرعونية، واستبعاد النظرة القومية، ومشروع الوحدة العربية. وهو ما استعرضه ونقده الناقد المصري الراحل رجاء النقاش في كتابه "الانعزاليون في مصر" عام 1981. ولكن رجاء النقاش لم يلتفت إلى الأسباب التي دفعت بعض المفكرين المصريين العرب إلى الكفر بالعروبة، والقومية العربية، والعودة إلى الفرعونية. فهذه "الردة" عن الدعوة القومية التي أججها عبد الناصر، جاءت ضمن سياق تاريخي وسياسي، وهو ما أغفله النقّاش. وكان هذا السياق، وقت أن عزل العرب مصر، وقاطعوها، وقطعوا معها كل العلاقات العربية إلى درجة منع عرض الأفلام المصرية المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ في الدول العربية، ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس. ولم يتساءل النقاش في كتابه المذكور، عن السبب الذي دعا توفيق الحكيم إلى كتابة مقاله المثير في جريدة "الأهرام"، في هذا الوقت بالذات (3/3/1978)، والذي دعا فيه مصر إلى نفض يدها من الصراع العربي– الإسرائيلي، ولم يكتبه قبل هذا التاريخ أو بعده.. الخ. ثم جاءت حرب الخليج الثانية في 1991. وانقسم العرب على إثرها إلى قسمين. قسم أيّد عدوان صدام حسين على الكويت وشرق السعودية (الأردن، واليمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحزب البعث) وقسم آخر (مصر، وسوريا، والمغرب) استنكر العدوان، وبعث ببعض قواته العسكرية لتنضم إلى قوات التحالف الدولي للدفاع عن السعودية والكويت. فزادت هذه الحرب من الفرقة والتجزئة العربية، وزادت من رماد (جمرة) القومية وخبوها.rnالفراغ السياسي العربيخلت الساحة العربية بعد رحيل عبد الناصر – رغم تواضع قدراته الإدارية والسياسية - من قيادة سياسية مؤهلة، لتوحيد قطرين عربيين على الأقل، وخلت من وجود قيادات سياسية مؤهلـة، تتولى إدارة دولة الوحدة إدارة سياسية علمية، حكيمة، وعاقلة، وواعدة، ومثمرة في الوقت نفسه، كما تم في الاتحاد الأوروبي مثلاً، وعدم تكرار مأساة الوحدة المصرية – السورية (1958-1961)، وقبلها مأساة الوحدة المصرية – السورية (1830-1839) التي قادها محمد علي باشا، ونفَّذها ابنه إبراهيم باشا.انكفاء الأحزاب القومية ونشاط الدينية السياسية لقد شاهدنا كيف خبا الخطاب القومي العربي بخبو تأثير وانتشار الأحزاب القومية، وعلى رأسها "حزب البعث"، و"حركة القوميين العرب"، نتيجة لما فعله حزب البعث، عندما تسلّم الحكم في سوريا والعراق من خيبة أمل الناس به، وبمنجزاته السياسية والاقتصادية الثقافية، وانقسامه على نفسه في بقية أنحاء العالم العربي إلى أحزاب وشيع. وكـذلك انقسام "حركة القوميين العرب" في نهاية الستينات إلى ثلاث شيع.وكان أن انتشرت الأحزاب والجماعات الدينية السياسية في العالم العربي، نتيجة لضعف الأحزاب القومية، ووجود الفراغ السياسي في الشارع العربي. فحلّت الأحزاب والجماعات الإسلامية محل الأحزاب القومية. وتولَّت الدول العربية الغنية اليمينية دعمها بالمال والحماية، ثأراً من الأحزاب القومية، ومن دعواتها العدائية ضد اليمين، وتخلصاً من هذه الأحزاب القومية التي كانت ترمي هذه الدول بالرجعية، والارتهان للاستعمار الغربي والأمريكي خاصة. وكان على رأس هذه الأحزاب والجماعات الدينية الإسلامية "جماعة الإخوان المسلمين"، و"حركة حماس"، و"جبهة الإنقاذ الجزائرية"، وغيرها من عشرات التنظيمات الإسلامية، التي ملأت الشارع العربي ضجيجاً ودماً.rnالصراع العربي – الإسرائيلي بين "نعم" و "لا"!شهد العرب في نهايات القرن العشرين محاولتين سياسيتين لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي. فكانت معاهد السلام الإسرائيلي – المصري (اتفاقية كامب ديفيد) عام 1979. وكانت "اتفاقية أوسلو" عام 1993 بين الفلسطينيين وإسرائيل. كما كانت معاهدة السلام الإسرائيلي – الأردني (اتفاقية وادي عربة) عام 1994. إلا أن هذه المعاهدات والاتفاقيات لم تتمكن من إحلال السلام الشامل بين إسرائيل من جهة
هل أصبحت الوحدة العربية من التراث، أو ما زلنا نسعى إليها؟
نشر في: 16 إبريل, 2010: 04:45 م