كاظم حبيبحين يمر الإنسان بتجربة معينة, وحين تكون هذه التجربة لا تمسه وحده بل تمس جمهرة كبيرة من البشر أو شعباً بأكمله, عندها, وحين يمتلك الثقة بالنفس, سيسعى بكل جدية ووعي بالمسؤولية إلى معرفة عناصر ومراحل التجربة من بدايتها إلى نهايتها ومروراً
بتفاصيل التحضير لها والحوارات مع الآخرين بشأنها ومسيرتها ومن ثم نتائجها. هذا هو طريق البحث في التجربة, طريق البحث العلمي المسؤول الذي يقف عند دراسة التجربة بكل تفاصيلها من موقع الحياد الفعلي بهدف الوصول إلى استخلاص الدروس منها والتمعن في سبل الاستفادة منها في قادم الأيام. وبغض النظر عن مدى نجاح أو فشل تلك التجربة الذي يمكن أن يتجلى بنتائج الجهد, فلا بد من تقييمها وتقويمها لمصلحة المستقبل. ومن دون هذه المراجعة الصادقة مع النفس لا يمكن التقدم خطوة إلى أمام. وهذه هي مسؤولية كل فصائل التيار الديمقراطي العراقي على امتداد الساحة العراقية ومن جميع القوميات, ولا يمكن إعفاء أي فصيل عن هذا التقييم والتقويم. (1)خلال الأعوام المنصرمة مرت القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية بتجربة الانتخابات ثلاث مرات, التجربة الأولى 2005 (انتخابات برلمانية عامة) والتجربة الثانية 2009 (انتخابات مجالس المحافظات) والتجربة الثالثة 2010 (انتخابات برلمانية عامة).والتجارب الثلاث غنية بالدروس والعبر لمن يريد أن يتعلم منها ويستفيد في قادم الأيام منها. يدعي البعض أحياناً بأن النجاح في أي عمل يخوضه الإنسان لا يقاس بالنتائج, ولكن هذا القول ناقص, فالنتائج لها أهمية كبيرة حين يرتبط الأمر بالمجتمع وقضاياه الأساسية والتحولات المنشودة في البلاد. النجاح ليس وحده, ولكنه مهم جداً للمسيرة اللاحقة. ولكن الفشل يفترض أن لا يخلق الإحباط والعجز عن التفكير بوضوح وطرح الأخطاء والنواقص بجرأة ومحاسبة النفس قبل محاسبة الآخرين أو وضعها على شماعة الظروف الموضوعية وحدها.خاضت القوى الديمقراطية, وهي قوى كثيرة وليست قليلة في العراقً حقاً ولها ماضٍ مشرف, الانتخابات بصورة منفردة عموماً ومبعثرة على قوائم صغيرة وضعيفة. وكان البعض الكثير يعرف منذ البدء أن الحظ في فوزه ضعيف, إذ أن نشاطه لم يكن بالمستوى المطلوب. وهكذا كان, إذ توزعت القوى والعناصر الديمقراطية في العراق لا على قوائم منفردة وصغيرة حسب, بل وتبعثر بعضهم ليدخل في قوائم كبيرة, ولكنها من وجهة غير وجهته التي ناضل ويناضل من أجلها وفي قائمة ليست من طبيعة فكره وسياساته ومقاصده, بل هي من طبيعة فكرية وسياسية وأهداف أخرى. هذا التبعثر والتشتت وركوب الرأس والعناد من جهة, وهذه الرغبة في التفرد والشعور بالقوة والقدرة على تحقيق ما لا يستطيع غيره تحقيقه وأن مهمته أن يترأس قائمة حتى لو كانت من عدة أفراد ولو لم يكتب لها الفوز من جهة أخرى, قد أعطى أكله المُرة لجميع القوى الديمقراطية دون استثناء. التجربة ضرورية والتعلم منها ضروري أيضاً, ولكن الوقوع في فخ التجارب المتكررة ليس عيباً حسب, بل وإساءة للمجتمع الذي يراد تمثيله أو النيابة عنه والدفاع عن مصالحه. ويفترض التعلم من قول المؤمنين: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين", فكيف والحال حين يلدغ الإنسان الديمقراطي والعلماني أكثر من مرتين. فهل ستتعلم قوى التيار الديمقراطي من تجاربها المنصرمة؟ هم وحدهم قادرون على الإجابة عن هذا السؤال, هم الذين يعملون ويتحملون مسؤولية عملهم. لم تكن هذه المعركة الانتخابية حاسمة قطعاً, بل كانت مجرد دورة انتخابية مهمة لم يستعد لها الديمقراطيون والعلمانيون كفاية ولم يجدوا سقفاً يجتمعون تحته ويتفقون على قواسم مشتركة تمس حياة ومصالح الشعب كله ويمارسون دورهم النضالي من خلال البرنامج المشترك. كما لم تكن هذه الانتخابات تحدياً ديمقراطياً للقوى الإسلامية السياسية ولا لغيرها, فميزان القوى كان منذ البدء واضحاً, ولم يكن يحتاج الإنسان إلى عبقرية استثنائية ليقدر نتائج هذه الانتخابات. لم تكن هناك مفاجئات كبيرة, وقد حاولت الإشارة إلى ذلك في مقال لي نشر في الأسبوع المنصرم في جريدة المدى الغراء. السؤال هو: ماذا تحتاج قوى التيار الديمقراطي للمنازلة السلمية والديمقراطية في الدورة الانتخابية القادمة؟يبدو لي أن القوى الديمقراطية والعلمانية بحاجة أولاً إلى ثلاثة أسس للعمل المشترك:** الاعتراف المتبادل بالوجود والحق بالعمل المستقل والتواضع الجم في التعامل المتبادل في ما بين قوى هذا التيار وسعيها للتقارب في ما بينها.** الاعتراف بأن الانفراد لا يساعدها على تحقيق نتائج إيجابية بل يشتت قوى التيار وأصواتها ويباعد بينها ويضعف تدريجاً حماس العاملين والناخبين. ** أهمية وضرورة الإدراك بأن الفرقة تضعف الجميع والتجمع يعزز الجميع ويساعدها على تشكيل فريق عمل يعتد به ويسمع رأيه ويحقق للناس مكاسب مطلوبة.إذ اتفقنا على ذلك عندها نحتاج ثانياً إلى عدة مسائل أخرى:1 . تعبئة كل قوى التيار الديمقراطي للعمل في صفوف الشعب, وخاصة تلك الفئات الاجتماعية التي تسعى قوى التيار الدفاع عن مصالحها وإرادتها وحقوقها, وهي فئات واسعة وكثيرة في المجتمع العراقي ببنيته الاجتماعية الراهنة. إذ أن علاقة هذه القوى بالشعب ض
هل من جديد في تجربة القوى الديمقراطية – العلمانية في العراق؟
نشر في: 16 إبريل, 2010: 04:48 م