rnسميرة المانعأثناء احتدام النـزاع، في السبعينيات الماضية، بين الجالية الهندية المتواجدة في القارة الأفريقية وبين السكان السود الأصليين، خصوصاً في اوغندا وغينيا وغيرها من البلدان، صار الأفارقة يسخرون من هؤلاء الهنود وهم يرونهم عاقدين العزم على الرحيل والهجرةrnrn rnrn
الى الجزر البريطانية. يرونهم معلقين آمالهم على جوازت سفر مُنحت،وما زالت تُمنح لهم، على اعتبار انهم من رعايا شعوب الاستعمار البريطاني القديم والأمبراطورية المنهارة. قال الأفارقة ضاحكين، آنذاك، مستهزئين بهم: "إذهبوا الى هناك، الى بريطانيا، وسوف تلبسون ملابسهم الأوربية وتتزوجون من أبنائهم وبناتهم " في إشارة واضحة للغيظ الذي كان ينتاب الأفارقة بسبب التمييز العنصري الممارس ضدهم من قبل هؤلاء الهنود طيلة فترة وجودهم معهم، على الرغم مما كسبته الجالية الهندية من أرباح طائلة بسبب الأعمال التجارية منهم بالإضافة الى المهن المختلفة الأخرى هناك.هكذا طُردت الجالية الهندية بغضب شديد وانفجار عاصف من قبل هذه البلدان جزاءً ونكايةً لها على الآستغلال، بعد أن رأوها مفضلة الآنعزال، شبه التام، عنهم بتكبر وبعجرفة.يتذكر البعض، في السبعينيات، كيف أصطف الهنود على أبواب السفارات البريطانية في القارة الأفريقية ، بطوابير طويلة من أجل استكمال معاملات سفرهم الى وطنهم الثاني، إن لم يكن وطنهم الأول كما يرجون، بتصورهم. وصلوا الجزيرة البريطانية أفواجاً، أفواجاً، وساروا منـتشرين في شوارعها الباردة ببشرتهم السمراء وملابسهم التقليدية، تلتف نساؤهم برداء "الساري" الرقيق واقدامهن، التي لم تعتدْ على لبس الجواريب ، بسبب حرِّ المكان الذي جئن منه ،ما زالت أصابعهنّ العارية متمسكة بالخفِّ المسطّح.بعد قليل، صار المارة يرون محلات صاغة الذهب تُفتح ابوابها بالمجوهرات البراقة للنساء الهنديات، وامتدت على الأرصفة البضائع والخضروات والمأكولات الشرقية.صار العابرون يشمون رائحة الـ(كاري) عالقة بالجو، ولو على بعد أمتار من المطاعم التي انبثقتْ فجأة في معظم ضواحي المدن البريطانية.وكما تنبأ الأفارقة الغاضبون، أبتدأ الهنود، رويدا رويدا، بالاندماج بالبيئة الجديدة، سواء عن طريق إرسال اولادهم الى المدارس واندفاع شبابهم في تعلّم وممارسة علوم الثورة التكنولوجية الحديثة، كما لو كانت جزءا من تأريخهم كله.تفاهم كبار تجارهم مع الرأسمال البريطاني ليساهموا في الشركات والبيوتات التجارية الكبرى ليدخلوا في الرأسمال الغربي بمهارة وحذق.وبالفعل، وكما تنبأ الأفارقة، أيضا، لبست فتياتهم الملابس الاوربية كسراويل الجيـنـز والتنورات القصيرة، لا فرق بينهن وبين الفتيات البيض الشقراوات ،كما اشترك الجميع في اللغة واختلاط المشارب والمعاملات بسهولة ويسر وشجاعة دون انكماش.قد يكون الامر مفهوماً للبعض، فلطالما قلدت شعوب شعوبا اخرى إذا ما شعرت انها أمام قوة اعظم منها إقتصاديا ومعرفيا، وقد حصل هذا أثناء الحضارة العربية الإسلامية سابقاً، خصوصا وقد أدرك هؤلاء أن لا مناص من الآعتراف كون العالم يواجه حضارة غربية سائدة اليوم، شاء أم أبى ، والهنود في عقر دارها ولابد لهم من التناص والمحاورة والأخذ قبل العطاء.في الوقت نفسه أدرك معظم سياسيي الأحزاب السياسية البريطانية الكبيرة أن هؤلاء المطرودين الذين جاءوا الى بريطانيا مؤخراً ، هم في أمسّ الحاجة لهم، وعلى حدّ اعتراف أحدهم في صحيفته: " أن القادمين الجدد مهمون لنا، سوف ينفعون المجتمع البريطاني ككل بما عرف عنهم من تماسك عائلي بالاضافة الى المسؤولية والجدّ في العمل سواء أكانوا شيوخاً أم شبابا".في الوقت الذي يعترف فيه الجميع بتدهور العلاقات العائلية البريطانية وانهماك شبابها بتضييع اوقاتهم بمفاسد اللهو والإنسياق وراء الملذات الذي إشتهرت به حرية العصر الحديث.كل هذا بدا شبه متوقع ، لكن الشيء الذي حصل بعدئذ ، لم يخطر ببال أحد ما ولا ببال الأفارقة طبعاً. فالهنود المهاجرون لبريطانيا عموما، وبضمنهم هؤلاء، لم يلبسوا الملابس الاوربية ويتزوجوا ابناءها حسب، وانما تفوقوا على معظم كتابات ابنائها وعلى لغتهم الانكليزية الام نفسها أحيانا. صارت مقدرتهم في السيطرة على هذه اللغة في كتاباتهم محل إعجاب الأوساط الثقافية كافة، بل مدعاة للانتباه ولفت الانظار اليها لنيل الجوائز تباعا، لدرجة أن ذمّ يوما احد النقاد الانكليز اثناء اعداد قائمة المرشحين للفوز بجائزة بريطانية معروفة في صحيفة ما،" كون الروايات لكتابها الانكليز الست المختارة ، لا تتحدث عن الحاضر ناهيك عن المستقبل، وكلها تنظر للوراء متحدثة عن الماضي فقط خلاف الروايات لمؤلفين من أقوام أخرى". ماذا حصل ؟ كان البعض يتساءل ويتذكر كيف نقلت رواية للكاتبة الفائزة (زادي سميث) ذات الاصول الهندية والبالغة من العمر 24 سنة آنذاك، حياة منطقة (ويلسدون willesden) اللندنية الحالية مصورة اياها نابضة بالالوان
الهنديات الثلاث.. والرواية الانكليزية المعاصرة
نشر في: 16 إبريل, 2010: 05:02 م