محمود القيسي أول مرة في تاريخ البطولات الحقيقية تتحقق للعراق بطولة من الطراز الاول ومن مستوى عال على يد بطل مجهول كان قبل ايام يعوم مع الاسماك في دجلة فيجد اللذة كلما طال به البقاء في الماء. ولد علاء عام 1927 من عائلة النواب الكرخية المعروفة،
في دارها التي تشرف على نهر دجلة فتفتحت عيناه في لجج مائها العذب الزلال، وما كاد يقف على قدميه حتى وجد من دجلة ميداناً للهوه ورياضته فلم يهو رياضته بقدر هوايته للسباحة. درس في المدرسة الفيصلية الابتدائية ثم الكرخ الثانوية واكمل كلية الحقوق في عام 1950 /1951 وعين موظفاً في مديرية البريد و البرق العامة عام 1951 وعندما اصبح علاء عضواً في نادي المنصور الرياضي واشترك في عدة مباريات لسباحة المسافات الطويلة في بغداد باسم النادي وكان دائماً احد الثلاثة الاوائل وفي التجربة الاخيرة التي حاول اتحاد السباحة العراقي اقامتها في بحيرة الحبانية لاختيار فريق من احسن السباحين للمسافات الطويلة لاشتراكهم في سباق بيروت لم يتقدم للسباق غير ثلاثة هم: ناجي شاكر وعلاء الدين النواب وعبد الكريم المشهداني وقد اشترك ثلاثتهم في سباق بيروت للبلدان العربية لمسافة خمسين كيلومترا والتي بدأت من صيدا وانتهت بالنادي العسكري. بدأ الانطلاق من صيدا في الساعة الثانية وربع بعد منتصف يوم الاحد 20/5 ، ففي وسط هذا البحر الخضم وامواجه المتلاطمة وفي ظلام الليل الحالك انطلق اثنا عشر سباحاً من الهواة يصارعون الامواج بقلوب كلها ثقة وكلها امل بالفوز. وبعد ثلاثين دقيقة انطلق خلفهم سبعة من المحترفين يتقدمهم مرعي حسن حماد وحسن ابو بكر من تماسيح النيل وعفاريت المانش الذين دوخوا ابطال العالم. وهكذا استمر الصراع بين السواعد المفتولة والامواج المتلاطمة طوال الليل والنهار الذي تلاه وحتى الساعة الواحدة والدقيقة الاربعين من بعد منتصف ليل الاثنين. وفي ذلك الظلام الدامس كانت كفا علاء الجبارة تضربان امواج البحر الهائجة بشدة وسرعة متناهيتين لتصل الى خط النهاية وتحتضن الراية المحبوبة مسجلة بذلك نصراً لامعاً للعراق ولأبطاله الميامين..خرج علاء من الماء ولا ثاني بعده حيث كان الاول والأخير من الهواة وكان الثالث من مجموع المتسابقين محترفين وهواة، ولا غرابة اذا ما علمنا ان الاول والثاني من المحترفين هما حسن ابو بكر ومرعي حسن حماد الابطال المصريون وابطال اعلا م في سباحة المسافات الطويلة. ومن الجدير بالذكر انه لم يصل النهاية غير هؤلاء الابطال الثلاثة. قطع علاء مسافة خمسين كيلو مترا بثلاثة وعشرين ساعة وخمسة وعشرين دقيقة (23.25) فسجل بذلك رقماً قياسيا عالمياً للهواة لهذه المسافة. كما سجل لبلاده نصراً لايفوقه نصر ليس في البلدان العربية فحسب انما بين دول العالم اجمع. لقد برهن علاء بمكوثه هذه المدة الطويلة في مياه البحر المالحة التي لم يعتد عليها وفي مقاومته لتلك الامواج الهائلة مع قوة الصبر والعزيمة والجلد، ومتانة الخلق الذي يميز الابطال عن سواهم والذي يضعهم دائماً موضع التقدير والتبجيل والاحترام وينزلهم في القلوب منزلة العظماء والاعلام. هو علاء الفاتح الاول لميدان البطولة في العراق والذي اشادت بجهوده وبطولته جميع اذاعات العالم مكبرة فيه تلك الروح الجبارة وتلك القوة الخارقة في مصارعة المياه المزبدة. ولعلك ايها القارئ تضاعف الاكبار في روح علاء وتزداد حباً واحتراماً له وتعلقاً به لو رأيته بتلك القامة المتوسطة وهدوئه وتواضعه وحيائه، فهو ان حياك، حياك مبتسماً وان رد على تحيتك فيردها بمثلها أو بأحسن منها. خجول الى درجة كبيرة ومؤدب الى ابعد حدود الادب ومجامل لا يجارى ولا عجب فانه بطل وكل ما فيه من صفات هي لعمري صفات الابطال التي لا توجد في سواهم. من مجلة النفط الصادرة في عددها المرقم 61 في عام 1956