د.مظهر محمد صالح *ينصرف مفهوم تمويل التجارة trade finance الى العلم الذي يصف إدارة النقود والمصارف والائتمان والاستثمارات والموجودات لأغراض التجارة الدولية ، وان الأطراف المشاركة في تمويل التجارة هم المصدرون والمستوردون والممولون ورجال التامين ومجهزو الخدمات الأخرى، فالتاريخ الاقتصادي للعراق الحديث قد اشر تلازما واضحا في حركة تمويل التجارة ومستوى تراكم الاحتياطي الأجنبي الرسمي للبلاد،
حيث غذت موارد النفط الريعية خلال السنوات الستين الأخيرة ما نسبته 95 % من احتياجات البلاد للعملة الأجنبية في تمويل التجارة وبنسبة لن تقل عن 85% في تمويل إيرادات الموازنة العامة في أفضل سنواتها خلال العقود الأربعة الأخيرة.ان تراكم العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي التي تمثل احتياطياته الدولية قد تمت من خلال قيام وزارة المالية بمقايضة ما لديها من إيرادات بالدولار التي هي ناجمة بالأساس عن صادرات العراق النفطية لقاء حصولها على ما ترغبه من الدينار العراقي المصدر من البنك المركزي العراقي ، ليدخل التداول ولكن عبر أبواب الصرف في الموازنة العامة للدولة . ولما كانت مهمة البنك المركزي العراقي هي الحفاظ على استقرار قيمة الدينار العراقي ، الذي جرى إصداره والتصرف به بصورة رئيسة عبر نفقات الموازنة العامة المذكورة وحسب الآلية المشار إليها في أعلاه ، فان مثل هذا الأمر قد حدد توجهات السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي وقيدها في كيفية استخدام الدولار المتاح كاحتياطي أجنبي ، بغية مواجهة نفقات الجمهور ومعاملات السوق المترتبة عليها التي اشتقت بالأساس من إنفاق حكومي تحول في مرحلة لاحقة الى قوة شرائية بيد الجمهور ، يتم تداولها وإنفاقها كدينار عراقي في التعاملات اليومية. وبهذا فقد أضحى الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي العراقي موجه للتعامل المباشر مع ضغوط السوق واحتياجاتها للعملة الأجنبية ، ولكن في إطار الحفاظ على الدينار العراقي وقوته الشرائية عبر غطاء دائم من العملة الأجنبية، وان مثل هذا التوجه في السياسة النقدية يعد من الأعمال اللاحقة والأساسية في تنفيذ أهداف البنك المركزي العراقي ، ولاسيما بعد ان انتهت مرحلة التعامل المباشر مع السياسة المالية في المرحلة الأولى المذكورة آنفاً (أي مرحلة استبدال احتياجات الموازنة العامة للدينار العراقي ببعض موجودات الحكومة من العملة الأجنبية والبدء بصرف الدينار عبر نفقات الموازنة العامة) لتبدأ المرحلة الثانية المتمثلة هذه المرة بمعالجة طلب السوق على العملة الأجنبية والناجم كما نوهنا عن المصروفات النهائية للحكومة بشكل رئيس . وفي إطار التوجه نحو اقتصاد السوق وبناء مرتكزات قوية ومستقرة للاقتصاد الحر وعلى وفق ما نص عليه الدستور ، فان السياسة النقدية هي ليست في وضع التعامل بصورة معكوسة في هذه المرحلة اللاحقة ، ذلك بالتغافل عن النتائج التي أفرزتها النفقات العامة في المرحلة الأولى ، ووضع الأمور بصورة معكوسة خارج سياقاتها ، عبر التعامل مجددا في معالجة احتياجات الموازنة العامة وسد العجز في متطلباتها التمويلية اللاحقة ، ولكن على حساب استقرار السوق وإفرازات النفقات العامة السابقة التي تسببت في تعظيم مناسيب السيولة المحلية.rn1- آلية تمويل التجارة والموازنة العامة:أ- مرحلة ما قبل استقلالية البنك المركزيلما كان البنك المركزي العراقي وما يزال يمثل بنك الدولة والمؤتمن على أموالها وهو جزء لا يتجزأ من المالية العامة بسبب قوة الترابط بين الموازنة العامة والميزانية العمومية للبنك المركزي بحكم التبعية وهيمنة السلطة المالية على القرار النقدي ،حيث كان هنالك حساب واحد للعملة الأجنبية يمثل احتياطيات البلاد كافة من النقد الاجنبي وان الايرادات من تلك العملة التي تدخل الموازنة العامة تمثل عوائد النفط في الغالب يسجل ما يعادلها في الميزانية العمومية للبنك المركزي دينار عراقي مصدر سواء بشكل حسابي في سجلات البنك ام فعلي في التداول ليتولد النقد الاساس base money وان النقد الاجنبي في هذه الحالة يدخل في بنود الميزانية العمومية للبنك المركزي On Balance Sheet.ان الكيفية التي يجري فيها تمويل التجارة الخارجية (ولا سيما تمويل الاستيرادات) للحكومة والقطاع الخاص كانت تجري وفق برنامج تجاري سنوي معد مسبقا سمي فيما بعد بـ (خطة التجارة الخارجية) وكان يقصد بها في الغالب تمويل تجارة الاستيرادات الحكومية والخاصة وفق الآلية الآتية :اولا – تتولى الحكومة السحب من ذلك الاحتياطي لأغراض تمويل التجارة الحكومية وتجري التسوية عبر تعديل قيود الموازنة العامة وما يقابلها من قيود عبر الميزانية العمومية للبنك المركزي .ثانيا- استنادا الى برنامج او خطة الاستيراد يمنح القطاع الخاص إجازات استيراد وفق تقديرات لجان الحاجة او مسح الطلب على السلع المستوردة النهائية او مستلزمات انتاج وغيرها من اللوازم الرأسمالية .ثالثا – تقوم الأطراف التجارية الخاصة بفتح اعتماد عن طريق المصارف التجارية المحلية وبشكل خاص مصرف الرافدين ، بعد ان يبتاع التاجر العملة الأجنبية سواء بمدخراته التي تمثل رأسماله أم عن طريق الاقتراض وهو الائتمان التجاري الذي يمنحه المصرف الى زبونه التاجر .رابعا – في كلتا الحالتين ثانيا وثالثا ف
تراكم الاحتياطي الأجنبي وتمويل التجارة الخارجية..الأنموذج العراقي
نشر في: 19 إبريل, 2010: 04:33 م