عباس الغالبيليس من شأن هذه الدراسة أن تتعرض لطبيعة الصلة العميقة بين الشعر والقصة والرواية, لأن ذلك مما تعرضت له دراسات كثيرة رصدت موضوعة القصة الشعرية أو البنى السردية في الشعر العربي منذ مرحلة ما قبل الإسلام وحتى الوقت الحاضر,
حتى بلغ الأمر ببعض الدارسين إلى إطلاق مصطلح «القصة الشعرية» على بعض النصوص لإحساسهم المتعاظم بعلاقة السرد بالشعر, إذ رأى الدكتور جلال الخياط أن القصة الشعرية بدت في رحاب العصر الحديث مما لا يمكن إنكاره أو تجاهله في ديوان الشعر الحديث, مؤكداً إن الشعراء المعاصرين إتخذوا من القصة الشعرية وسيلة تعبير مهمة من خلال تنمية أحد عناصر القصة داخل القصيدة –بحسب رأي الخياط-  ، وقد يعود بنا هذا إلى تداخل نوعي بين نظم القصة شعراً مثل القصص المنظومة شعراً مثل نظم إبان عبد الحميد اللاحقي لقصص كليلة ودمنة وقصائد أحمد شوقي، وغيرهما، وملامح السرد القصصي في الشعر. rnولأن الحكي أو القص رغبة وحاجة إنسانية قديمة قدم الإنسان, فالسرد بكل أشكاله –كما يقول (بارت)- حاضر في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة وفي كل المجتمعات فهو يبدأ مع تاريخ البشرية ذاتها, فلم يوجد شعب من دون سرد. ويبدو أن السرد القصصي صيغة رافقت القصيدة الغنائية منذ أقدم العصور, غير أن النقاد يقررون «إن وجود رواية أو قصة قصيرة بلا حوار هو استثناء, كذلك خلوّ قصيدة غنائية من السرد هو استثناء أيضاً» وقد عدّ بعض النقاد الشعر القصصي معياراً يدرك من خلاله «سعة خيال الشاعر وغزارة مادته اللغوية وحسن رصفه الألفاظ وجمال ديباجته» .وتتخذ بعض القصائد الشعرية شكل القصص بأحداثها وشخصياتها وهذا النسيج الشعري له ما يماثله في ديوان الشعر العربي القديم , وفي الشعر العربي المعاصر, حيث نتعامل مع صورة شعرية جاءت في بناء سردي, والمقصود بالبناء السردي في القصيدة, أن الصورة الكلية تكون مبنية على «حكاية حدث أو أحداث متعددة تتسلسل في ترتيب معقول وتتابع واضح سواء في الأحداث أم التصوير» .أي أن القصيدة تضم في بنائها اللغوي والفني أشخاصاً وأحداثاً, وكذلك تناوباً بين السرد والحوار أحياناً في شكل الدراما البسيطة  فهذا الضرب من البناء الشعري يقوم على سرد قصة تشتمل على الشخصيات والأحداث والحوار.على أن الإشارة تجدر هنا إلى أن الزهاوي والرصافي سبقوا رواد الشعر الحر في أسلوب توظيف السرد القصصي في القصيدة العراقية. .ولعل شعراء ستينيات القرن الماضي ممن جايلوا شاعرنا ياسين طه حافظ كانوا قد عنوا بهذا الأسلوب من القصص الشعري, حيث يقول الشاعر سامي مهدي عن تجربته« لقد أخذت هذا الأسلوب من المسرح وليس من أي مرجع آخر, وحاولت أن أعطي به للقصيدة الغنائية عمقاً آخر هو ليس قصاً عادياً, ليس نقلاً عن الواقع أو انعكاساً له, وإنما هو زاوية نظر وتأمل, تلتقط ما هو جزئي لترتفع به إلى ما هو كلي ومطلق». وإذا كانت الإنجازات الشعرية التي قدمها رواد الشعر الحديث في العراق خطى طيبة وجادة لإغناء القصيدة الحديثة وتطويرها, والسير بها نحو مواقع الفن القصصي بشكل عام ،  فإن شعراء العراق خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ممن جايلوا ياسين طه حافظ أكدوا في نتاجهم  إنهم كذلك تواقون إلى إغناء قصائدهم وإثرائها بعناصر جديدة وتكنيك يستقيه من فن القصة في محاولة لجعل القصيدة أكثر أهمية وغنى وقدرة على حمل أفكارهم الموضوعية والتعبير عن تجاربهم وتجارب الآخرين .ولأن شاعرنا ياسين طه حافظ كان يجتهد ويجرّب دائماً لإيجاد تقنية خاصة بقصائده فقد طفح الكثير منها بالنفس الملحمي الدرامي, فهو يقول: «لم يفارق السرد الشعر منذ الملاحم القديمة إلى القصيدة الحديثة, وآخر رأي قرأته لأستاذ الأدب والدراسات المقارنة في جامعة ساوث كارولينا قوله: تبدأ الحداثة الشعرية بعودة القصة إلى القصيدة الغنائية لماذا؟ لأنها منحت القصيدة الغنائية أبعاداً أخرى ولم تعد تدور حول أحزان الذات ومباهجها ولذا فإن أعمالي أما أن تتضمن (روح المسرح) أو(روح السرد) .ولأن البنية السردية بمختلف أساليبها وعناصرها تجلت في مطولاته, إلا أن قصائده القصيرة أو المتوسطة كانت تحتمل السرد في كثير من المواضع أيضاً....ولذا سنحاول في هذه الدراسة أن نسوق أمثلة على وفق هذين المستويين: 1-الصورة الحوارية الوصفية2-الصورة المشهدية الصورة الحوارية الوصفية :للحوار دور مهم في بناء الحدث, إذ أن الحوار المتبادل بين الشخصيات ينمي الحدث ويبلوره, لأنه يبني الوقائع الصغيرة, ويدخلها في سياق الحدث, لتكون جزءاً منه كما أن الحوار يكشف عن الزمان والمكان بوصفهما إطاراً للحدث والشخصية.ويلجأ الشاعر في أحايين كثيرة إلى الحوار في القصائد ذات البنية السردية سعياً منه لإضفاء عنصر التشويق لشد انتباه المتلقي وبالرغم من أن الحوار من العناصر القديمة في القصيدة إلا أنه تجلى بشكل مميز وواضح في القصيدة الحديثة التي شاع فيها الحوار, بل حلّق به الشعراء الستينيون إلى فضاءات أضفت على القصيدة حبكة قصصية