اجرى الحوار سعدون هليل ياسين طه حافظ ليس كأي اديب او شاعر، انه كينونة ابداعية مستقلة قائمة بذاتها، تستمد قوانينها من ذات مشعة ومن مصادر معرفية عريقة تراكمت عبر الحقب الانسانية. تراه مستقرا ً في الظاهر، لكن لواعجه العميقة وفكره النشيط لا يستقران في يقين منظور.
 وكأن الرجل قد ادمن الجلوس على دكة المنعطف يحاور المكان والزمان في بهرج حضاري متجدد. مع ذلك تراه باهرا ً في ملكة الانظار يقبض على حقائق لا تظهر لغيره. يحتفل بها شعرا ً، وشعرا ً لا يخضع لقوالب غيره. لذلك صار ياسين طه حافظ مجددا ً وفي نفس الوقت صار راسخا ً في تمثله كنوز الموروث السحيق، حين تنظر اليه تراه كمن تملكه القلق على مصير الجهات الاربع في امتداداتها القصوى. فتكون عيناه الصغيرتان حادتين ليرمي شعاعه البعيد لسبر المجهول خارج النطاق المألوف.لذلك تراه يعيش حالة القلق الكشفي منطلق نبوءاته الاثيرةكما ينطلق المعدن المنصهر في الاخاديد. لذلك كانت الحقائق التي تطلقها كلماته شديدة الاشعاع.اليوم يحتفل مريدوه بمناسبة اطلالته في المربد الشعري وحلوله ضيفا ً كريما ً بينهم. وكان كريما ً في استجابته لطلبنا اللقاء به.* هناك من يرى الشعر اضاءة لحظة ، تعبير تلقائي عن داخل النفس ماذا ترى انت؟- الشعر اضاءة نعم. تلقائي وبلاصفة فنية، هذا ما لا ارتضيه. الفن، أي فن، عمل بخبرة وخبرة توظفها ثقافة. ولا فن بلا صناعة فنية. التلقائية ليست فخراً قدر ما تدل على سذاجة او فطرية. نحن نعيش الآن في عصر التحليل العلمي لمفردات العمل وفهمه.* هل انتهت وظيفة الفن الاجتماعية؟- حين يعبر الفن عن الدهشة او الحاجة الروحية او الحلم او المكبوت من النوازع والرغبات الذاتية، هو يؤدي وظيفة اجتماعية. قد تكون غير مباشرة. الوظيفة الاجتماعية بمفهوم تبني قضايا الجماهير قد تكون من مجموع تلك الوظائف الفردية. ماذا تقول عن تطور المضامين والتقنيات الفنية؟ اليست هي بعضاً من التقدم الحضاري لحركة الانسانية ومنها الجماهير بالمعنى الذي تقصده؟ في ازمنة معينة كان الجهد يبذل والاموال تبذل لعزل الانسان عن الجماعة وعزل مشاعر الفرد عن مشاعر الناس بعملية قسرية وغير منطقية اصلا. العزل هنا غير ممكن لا اجتماعياً و لا علمياً. لكن ذلك كان عملا سياسيا اصلا يتلبس منطقاً نظرياً. اعتقد بان الشاعر امين على ذلك الخيط السرّي الذي يصل بين روح شعبه والكون الواسع او العالم. والشعر، يواصل عمله ذاك في الاعماق السرية بمهاراته التي تصوغ القصائد.* لكن الوجودية اكدت ذلك؟- مقولة سارتر، مثلاً، الاخرون هم الجحيم او الجحيم هم الاخرون، فَهِمَتْ خطأً، او أُريد لها ان تُفْهَم خطأً. لقد اراد ان يقول ان عدم الفهم قد يطفيء الشعلة وان الضجيج يضيع الصوت الفردي المتميز والعيش في زحام المدن لا يترك فرصة تأمل للروح. اقرأ النص الذي وردت فيه! لقد قال بمثل ذلك اليوت ايضاً. وكذلك افكار الزهّاد من قبل. كل الواقعين يعلمون بان اولئك «الفرديين» ينتجون للشعب فرائد ثمينة، يكشفون الحياة ويضيئون طرق الانسان غير السالكة. هكذا تُفْهَم الامور بحسن نية علمية وبلا تحريف ..* لكننا نقرأ شعراً ركيكاً هذه الايام وليس فيه ذلك العمق الذي تتحدث عنه.- هذا ليس شعراً. هذه تدريبات لتعلُّم الكتابة. للاسف، المعلم متساهل جداً والصف مضطرب..* في عملية تبييض القصيدة ، مسودّاتك كثيرة،  تأكدت شخصياً من ذلك، ماذا تفعل؟ او بماذا تهتم؟- أظل اغير في صياغة الجملة الشعرية وصلاتها بالجمل الأخرى. خلافا لما تقول به بعض المدارس الحديثة، انا احاول ان احتفظ بخيط من المنطق في القصيدة ايضا احاول ان تحتفظ الجملة بالقداسة وهي تستدعي المعنى للمثول ..* هل علّمتَ احدا الشعر يوماً؟ وهل علّمك أحد؟ - لن يستطيع احد ان يعلم الشعر. يستطيع ان يعلم السحر ولكنه لا يستطيع ان يعلم الشعر. ما حصل، وانا اعرف ما تشير اليه، هو اني علمته ما يحتاج له من ادوات وهو يريد ان يكتب. تلك كانت مؤهلات «بنائية» : بعض الاوزان الشعرية، صياغة الجملةَ ، موسيقى الكلمات، نماذج من التقنيات. يبقى عليه الاتيان بالشعر والتنفيذ. أي انها كانت مسائل خارج الشعر، مواد لبناء بيت لحضور الشعر. * لكنك ترجمت كتاباً بعنوان كتابة الشعر في المدارس؟- نعم، ترجمته عن الانجليزية. اردت ان يتعلم مدرسو العربية في مدارسنا كيف يرعون المواهب الشعرية.* يقال توجد معاهد لتعليم الشعر في الغرب؟- خاصة في المدن  الامريكية الكبرى. مثلما توجد معاهد لتعليم الرقص والموسيقى والملاكمة!* سؤال ارجو الا يزعجك. انت شاعر واقعي بعيد عن التصوف وما الى ذلك. لكننا قرأنا لك قصائد صوفية. هل تؤمن بالتصوف؟- اذن انا امام سؤالين. بعض القصائد .... والثاني هل اؤمن بالتصوف. اما بعض القصائد مثل «تجربة متأخرة» وقبلها «الحاج صادق يصلي» فهي تنوعّ اسلوبي اكثر مما هي صوفية. يمكن كتابة المضمون نفسه بطريقة أخرى قد تكون «واقعية» كما تريد. واما اني أؤمن بالتصوف، فالتصوف ظاهرة. واتصال روحي، حاضرة في جميع الازمنة في الفنون والحياة اليومية وبدرجات متفاوتة. ه