TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الـكـمــين الثقافــي لاغتيـــال الديمقراطيـــة

الـكـمــين الثقافــي لاغتيـــال الديمقراطيـــة

نشر في: 21 إبريل, 2010: 05:31 م

ياسين طه حافظبعد ان أكمل الغرب نخر أسس الاتحاد السوفيتي ثم الضربة القاصمة بزعزعة ركائزه القيادية واستدراج رؤوس تلك القيادات فيه، بدأت مرحلة جديدة من الالتفاف على روح الاتجاه الثوري لدى الجماهير وعلى النظرية في الأذهان بعد ان غابا عن مركز الدولة.
الالتفاف هذه المرة على الشعارات التي سرت في دم الجماهير عبر عقود، لا في بلدان الاتحاد السوفيتي وحده ولكن أيضا في شعوب البلدان التي تأثرت بروح الثورة والتي كانت تنشد الحرية والخلاص من الديكتاتوريات وأنظمة الحكم القمعي ومن اجل انتصار الفرد بعد عقود من القمع والمصادرة.لقد ثبت من بعد ان انهيار الأنظمة الدكتاتورية لم يكن وما كان غير عبارة جوفاء تحمل الكثير من الأوهام. كان يرددها السياسيون الليبراليون والمثقفون في البلدان المتخلفة وبلدان العالم الثالث وبلدان الكتلة الشرقية..وبدا انهم كانوا منتشين بانتصار الغرب وكانوا آملين في الحصول على نصيب لهم. لكن هذا النصيب كان محدداً بنفعية آنية ضيقة : مناصب، دعم مالي، خفي ومعلن، ووعود بمواقع قيادية الواحد على حساب الآخر ما يثير التنافس بينهم ويزيد السقوط.كان أمل شعوب هذه البلدان بالبدائل التي يقدمها اليمين الجديد، أو بمزايا الأفق الغربي. اعني بتوسع الحقوق الإنسانية لتشمل السلام والهناء اليومي والعيش الأفضل والخلاص من التقشف والحرمانات التي تعبت الناس من معاناتها. والحقيقة ان الجماهير تلقت النتائج ولم تسهم في عمليات التغيير لأنها كانت أصلاً عمليات عسكرية. حق للجماهير ان تبتهج بزوال القمع واليباس اليومي وان تأمل بخير .. لكن المسألة ليست مسألة أخلاقية في توفير هذه المتطلبات المفقودة، بل هي أولاً مسألة اقتصادية وهذه المسألة الاقتصادية مرتبطة بالمنظور المستقل أولاً والواضح ثانياً. ونحن نعلم لا الاستقلالية ناجزة ولا الوضوح مكتمل.كانت النتيجة حوادث مأساوية وعدم استقرار سياسي واجتماعي افتقدت الجماهير تلك الحصة البسيطة من البهجة بزوال الأنظمة العسكرية الشمولية وحلول أنظمة الحكم المدني. واتضح للجماهير وللمثقفين في هذه البلدان وفي العراق بخاصة ان ليس الأنظمة العسكرية الشمولية هي الشكل الوحيد للقمع السياسي، بل ان هياكل الأنظمة وبروز أنظمة ذات جذور فكرية قديمة، تحمل أيضاً في مركزيتها مدى شمولياً، وقد امتلكت هذه الموقع والسلاح. كما ان التنافسات الكتلوية تتوسل ايضا بالقمع للوصول او الهيمنة، ذلك لان التغيير وإزاحة هذه الأنظمة ما تم جراء النضج الثوري ولكن عن طريق تنحية الفكر الثوري، واستبداله بوسيط يمتلك قوة التغيير.اما الدعوات او الادعاء بان نضالاً ما هو الذي اطاح بالأنظمة العسكرية، فهو ادعاء غير حقيقي تاريخياً. الحقيقي هو ان هذه الأنظمة العسكرية قد عمرت طويلاً وبدأ اضمحلال تأثيرها الاجتماعي، بل وتفسخها، ما هدد مصالح الغرب سواء في مصادر الطاقة او في مخططات النفوذ والتوسع. وبعد ان تم التحرر من "الشمول" لم تعد معضلة الجماهير تتمحور حول الديمقراطية. المواطن يستطيع ان يدلي بصوته وان في "قوالب" محددة، ويستطيع ان يسافر، ان يتكلم، ان ينشر، ان يشتم وحتى ان يسرق او يتجاوز على أموال الدولة ولا يعيدها الا بمكافأة أو تعويض! ومع هذه المزايا و "التشوهات" معاً، صارت معضلة الجماهير و اشكالها الصعب هما في النضال من اجل المساواة وبناء المستقبل. لكن لا يتيسر تحقيق ذالكما الهدفين في زمن اضطراب عمل المؤسسات والنظام العام. فهذا النظام يؤثر في كل التنظيم الاجتماعي وفي مسارات الحياة الفردية. العمل الجماعي متعذر في الاضطراب. والناس الذين لايقدرون على عمل جماعي يفقدون الثقة في قدرتهم على تغيير حياتهم الخاصة. فلن يستطيعوا اذن الإسهام المنظم في بناء مستقبل. ونحن عملياً أمام اتساع الاضطراب الفردي، ويتبعه الجماعي، تتحول إرادة التغيير إلى احتجاج سلبي يسهم في زيادة الاضطراب.. والظواهر السلبية ذات الغطاء او التسويغ الشرعي تزيد من القلق الاجتماعي ومن ابتعاد الاطمئنان على المستقبل. فلا يمكن الا ان يرتد المجتمع  وهو يرى المتنفذين الجدد وأتباعهم وأقاربهم و"المضحين" السابقين من أنصارهم ..، يستحوذون على المواقع والوظائف والمعونات وعلى السكن والعلاج المتقدم داخل البلاد او خارجها.وبسبب ذلك الإرباك، ضخت أموال وزيدت الأجور ولكن زاد عدد الشحاذين والأرامل و العاطلين، كما ازداد الضياع الثقافي وتهالك النتاج الفكري و تلفيق الاطاريح الجامعية وهبوط المستوى العلمي للكوادر التدريسية، حتى صار الضعف ينتج ضعفاً او ما هو اضعف والأساتذة العلماء غابوا تقريبا او قل عددهم قلة مؤسفة، ما يثير القلق على المستوى العلمي اذا استمر الحال عشر سنوات أخرى، ومتى تم هذا؟ في سنوات انتصار الديمقراطية! هذا يعني ان تغيير الأنظمة لم يكن كافياً. بمعنى آخر، اننا في حال افتقاد الكثير مما كان جيداً وصحيحاً ومواجهة الكثير من المؤسفات، وهذا طبعا لا يعطي انطباعاً ايجابياً عن الديمقراطية المتحققة وان كانت الديمقراطية غير مسؤولة عن ذلك. ان فراغ الكلمة من حقيقتها السياسية والاجتماعية هو الأمر الفاجع والمخيب للامل ... فمثلما توفر الديمقراط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram