لطفية الدليمييصف باولو كويلهو كتابه (فارس النور) بأنه (ملاحظات في تقبل الفشل واحتضان الحياة والارتقاء للمصير)، ويقول كويلهو: إن فارس النور هو شخص (قادر على فهم معجزة الحياة، والصراع حتى النهاية، من أجل ما يؤمن به، وسماع الأجراس التي يطلق الموج رنينها في سرير البحر).. بوسع كل واحد منا أن يكون فارسا للنور،
رغم أننا نقلل من أهمية قدراتنا، ولا نتصور أنفسنا فرسانا للنور، أو جندا للحقيقة، لأننا يا باولو كويلهو مستنزفون ومحاصرون بقواعد متعظية وتعاليم قامعة عن التمرد والمجازفة والإقدام ،نملك حواس استهلكتها التفاصيل اليومية،و لأننا لانسمع زقزقة العصفور في عصف الانفجارات ،ولا نداء الموج وسط عويل النساء، ونهتم بنشرات أخبار الكوارث، وأنباء القتل، وفناء البشرية بحروبها وجنونها..يفتتح كويلهو كتابه هذا -وهو برأيي أفضل ما كتب كويلهو بعد رواية ا(لخيميائي)- بحكاية تمهد للبحث عن النور في أعماقنا، والسعي لاقتناص الحقيقة من إيماننا بوجودها ويقيننا بقدراتنا على اكتشافها، وينسج على فكرة الخيميائي ذاتها، حيث يكمن الكنز بين أيدينا وتحت أقدامنا، ولكننا نمضي بعيدا للتنقيب عنه، الحقيقة كامنة فينا، وبوسعنا التعرف إليها إذا أصغينا إلى نداء الطبيعة، وتآخينا مع الطيور والأمواج والمطر والبرق وتعلمنا منها، تقول تلك الحكاية: إن صبيا ظهرت له امرأة جميلة فاتنة، وكانت تضع خمارا على رأسها، وترتدي ثيابا غريبة، لم يرَ مثلها من قبل، وسألته المرأة: هل زرت ذلك المعبد فوق الجزيرة؟ أمض إلى هناك، وأخبرني رأيك فيما ترى.أول اختبار للمخيلة والخلق الإبداعي: أن تؤمن بما تتخيل وتصدق ما ينبئك به قلبك..يذهل الصبي، ويمضي إلى شاطئ البحر، حيث أشارت، ويحدق بالأفق فلا يبصر إلا زرقة السماء ممتزجة بزرقة المحيط فلا معبد ولاجزيرة ، يعود خائبا وهو يتساءل في ذهول: أيعقل أن تكذب عليه المرأة الجميلة؟، هل يكذب الجمال؟ لا يعلم الفتى الصغير أن الجمال يلهم، ولا يخدع، يشير ولا يكشف، يدل على الطريق، لكنه لا يضمن النهاية، فهي نتاج، سعينا إليها، ولا تنبثق إلا من حلمنا بها وإيماننا بها.. تحول بحثه عن المعبد إلى رغبة في اكتشاف الكنوز، تغيرت حياته، وما عاد معنيا باللعب والدراسة ومصاحبة أقرانه وكلما جلس على شاطئ البحر تعلم شيئا جديدا رغم سخرية الصيادين منه ، تعلم كثيرا عن المد والجزر والنوارس وعويل الرياح وصوت الأمواج، كما ألِف صرخات النوارس وأزيز النحل وأخبره الصيادون أن عليه نسيان موضوع الأجراس، والعودة للعب مع رفاقه ، أيخدعونه؟ أيصدقهم؟ قالوا له: الصيادون وحدهم بوسعهم سماع الأجراس، وفكر هل عليه أن يصبح صيادا؟ سمع أصوات الحياة من حوله الصبيان يلعبون ويضحكون، وهدير البحر والريح تعصف، غمرته سعادة كائن مدرك لنعمة الحياة، لقد عرف أشياء كثيرة مذ بدأ البحث عن المعبد، خيل إليه أنه يسمع أول جرس يرن، ثم توالى رنين الأجراس حتى امتلأ العالم بالرنين.. وعندما كبر التقى المرأة نفسها، وأعطته دفترا فارغا، وقالت له ما معناه: اكتب إن فارس النور يثمن عيني الطفل لانهما تريان العالم دون مرارة ، الآن أكتب عن فارس النور، لقد صرت تعرف ذلك ،إنه شخص قادر على فهم معجزة الحياة ..يقرر كويلهو أن لدى فارس النور الكثير، ليعلن امتنانه للحياة، كمثل ذلك الصبي الذي توصل إلى سماع رنين الأجراس حين انصت لأصوات الطبيعة، فارس النور بحاجة إلى الحب، كما هو بحاجة إلى صحبة، فلا يخضع لعزلته، بل يسخرها، وأن الغايات لا تبرر الوسائل، فليس هناك غايات، بل وسائل،والحياة هي التي تحملنا من مجهول إلى آخر كل يوم.يبدو كتاب فارس النور متأثرا إلى حد بعيد بأفكار معلمي ديانة (زن) بنفس قدر تأثره بفلسفة (التاو) للحكيم (لاوتزو)، وتعاليم (الآي تشينغ) مع نزعته الكهنوتية التي تظهر كاقتباسات أو استشهادات كما يورد في سياق الشذرات أمثالا وحكما عربية تتناغم مع نسقه الفكري في تمجيد الفضائل التي ينطوي عليها جوهر الأديان السماوية والفلسفات الكبرى..يتعلم الفتى وهو يكتب عن الفارس أن كل ما يحيط بنا يشكل جزءا من صراعنا، وأن فارس النور ليس أحادي النظرة، فهو يتعلم من جميع تناقضاته.
قناديل: البحث عن النور فـي أعماقنا
نشر في: 24 إبريل, 2010: 05:39 م