عرف عن الفنان عباس جميل، اضافة الى حلاوة الصوت، وموهبة الابداع في مجال الموسيقى والتلحين ،بحلاوة المجلس، وطلاوة الحديث وسرعة البديهة ولطافة النكتة، وحفظ الشعر، فذاكرة ابي طارق شريط حافل يحفظ لمسيرته الفنية المعطاء كل دقائقها، حلوها ومرها ، سعيدها ومؤلمها".ويحتفظ ايضا باخبار الفنانين الذين تعامل معهم، وتعاطف واياهم، والظروف التي واجهتهم في بدايات حياتهم الفنية.
وقد جمعتني المصادفة ذات مرة، بالفنان المبدع عباس جميل فدار بيني وبينه حديث طويل..فكان فيها ما دعاني لان اسجل بعضه لاقدمه الى القراء والمعجبين بعطاء عباس جميل، لانه يمثل تاريخا لحقبة فنية حافلة..ليس بالنسبة لمسيرة عباس جميل، فحسب، وانما لمسيرة الفن في العراق. فالتاريخ انما هو حصيلة جهد الافراد مجتمعا..وعباس جميل هو مفردة مضيئة، يصطف الى جنب المفردات المبدعة، التي تكون بمجملها، التاريخ الفني في بلدنا الحبيب "العراق".البداية والمدرسة الاولى قال الفنان عباس جميل: قبلت في السادسة عشرة طالبا في مدرسة ضباط الصف المهذبين بعد النجاح من المرحلة الابتدائية في الكلية العسكرية حيث تخصصت مدربا على الاسلحة والرياضة العنيفة..وكان الفن وقتها يسري في دمي..وقد قضيت في الكلية العسكرية اجمل سني عمري من عامي 1941-1956 وأني لاعتز كل الاعتزاز بتلك الفترة من حياتي وافخر بها كل الفخر..لانني دربت العديد من الدورات التي خرجت ضباطا ممتازين..وقد كانه الجيش مدرسة ضخمة بالنسبة لي وبالنسبة للكثير ممن عرفتهم، لانها تخلق رجال اشداء، لايهابون الموت، يحملون نفوس ابية شامخة، وقلوبا رحيمة رؤوفا، وثقافة اجتماعية وعلمية، سواء من خلال الدروس او الالتقاء بالرفاق التلاميذ الذين قد تختلف ميلوهم وهواياتهم بالنسبة للعلم والثقافة والادب والشعر، ولكنهم يلتقون في نقطة اساسية مهمة هي "حب الوطن" ومن طريف ما اذكره في هذه العجالة، انني عوقبت بخمسة ايام قطع راتب..لانني كنت اعزف ذات مرة،وفي وقت الاستراحة على الة العود فسمع امر الكلية صوت العود.. وعاقبني وكانت رتبتي في ذلك الوقت رئيس عرفاء سرية!*روح الشهيد ويسترسل الفنان عباس جميل في حديثه عن بداياته الفنية قائلا: في عام 1948 كانت بداياتي مع الفن حيث توجه الجيش العراقي الى فلسطين للذود عن تربة فلسطين الحبيبة ، وقد شكلت وقتها فرقة للترفيه عن الجيش وباشراف ضباط كان من بينهم المتقاعد "منير الذويب" الذي عمل محاميا فيما بعد، حيث كتب لي اول اغنية وطنية تذاع عن الجندي، وبعنوان "روح الشهيد" والتي مطلعها:"انا لم ازل حيا اشارككم فما هذي الدموع وعلام هذا الحزن قد ضمت سادرة الضلوع لم السواد؟! لم البخور، لم الدموع لم الشموع انا مثلكم لاينثني عزمي فيطويني الخنوع". ولقد تعاطفت الجماهير المتأججة المشاعر وقتها مع الاغنية، وكانت تغني في سوح المعارك في فلسطين.ومن هنا وجدت اشياء كثيرة يجب علي تحقيقها وكان في مقدمة هذه الاشياء واقربها الى روحي "الفن الموسيقي" والذي هو برأيي يلعب دورا كبيرا في تأجيج الروح الوطنية لابناء الشعب وتأجيج حماسة الجندي في ساحات القتال. فبدأت ادرس الموسيقى دراسة علمية على يد الاستاذ "روحي الخماش" وعلى مدى سنتين ، تعلمت فيها اصول كتابة النوتة الموسيقية واصول العزف على الة العود. ثم تتلمذت بعد ذلك على ابرز مدرسي المقامات العراقية في بغداد هما الاستاذان حسن خيوكة وعبد الهادي البياتي.*مرحلة التلحين والتجربة الاولى:ويدندن ابو طارق بينه وبين نفسه، وكما تقف الشعرات اليتيمة في راس الاصلع وقف شعر رأسي متصورا انه اكتفى بالحديث الى هذا الحد، ولكنه ضحك وقال لي بعد ان سألته "لا..اريد اخذ نفس شوية"!ثم اضاف: اتجهت بعد ذلك الى مرحلة التلحين للاغنية العراقية التي كانت "تلوب" وقتها تحت الردح الموسيقي القديم، "اي الايقاع الثقيل" فلحنت اول اغنية "كتجربة" للفنانة الراحلة زهور حسين وكان مطلعها: "اخاف احجي وعلي الناس شيكولون". فانتشرت هذه الاغنية انتشارا واسعا، وحققت نجاحا شعبيا، وذلك لخفة ايقاعها ، وسرعة فهم الكلام المصحوب مع الموسيقى العراقية الاصيلة. ومع ذلك، فقد وجدت في نفسي حاجة الى نهل الكثير من مناهل الفن في مجال الموسيقى وان اكون ملما بشؤون الموسيقى على وجه العموم. فدخلت معهد الفنون الجميلة للسنة الدراسية "1950- 1951" فدرست على يد الاستاذ سلمان شكر سنة واحدة، وعلى يد الاستاذ المرحوم منير بشير، لان الدراسة كانت وقتها في المعهد سبع سنوات..فتخرجت بدرجة شرف..وعينت معلما للنشيد في احدى المدارس الابتدائية. في هذه المرحلة بدأت التلحين، بعد نجاح التجربة الاولى وكنت الحن اغنية التي تتوفر فيها شروط النغمة العراقية الاصيلة....فلحنت لزهور حسين اغاني كثيرة هي:غريبة من بعد عينج يايمه جيت يا اهل الهوى يم عيون حراكة اني اللي اريد احجي كما ولحنت اغنية "جاوين اهلنه" للفنانة وحيدة خليل وكذلك اغنية "على بالي ابد ما جان فركاك".و"عين بعين على الشاطئ تلاكينه".ولحنت لسليمة مراد اغنية ، "يايمه ثاري هواي" اما عفيفة اسكندر ، فقد لحنت لها: "على
عباس جميل..فنان الاغنية البغدادية
نشر في: 25 إبريل, 2010: 05:26 م