TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > سوق السراي في الثلاثينيات

سوق السراي في الثلاثينيات

نشر في: 25 إبريل, 2010: 05:27 م

شمس الدين الحيدري لاشك ان الكثير ممن قدر لهم ان يشهدوا ثلاثينيات هذا القرن يذكرون الزخم الكبير والمهرجان التلقائي الذي كان يشهده سوق السراي في بغداد موسميا خريف كل عام متزامنا مع موعد افتتاح المدارس في الاول من تشرين الاول فامواج من البشر جلهم من الطلبة بمختلف الاعمار والفئات بنينا وبنات يتوجهون مع اوليائهم الى سوق السراي ليتزودوا بالكتب المدرسية والقرطاسية المتنوعة والتي تناسب جميع المراحل الدراسية.
في بداية الثلاثينيات اكتملت شخصية سوق السراي الكتبية، اذ كادت جميع محاله تشغل من قبل محترفي بيع الكتب والقرطاسية في ايام بدأت اسس التعليم والدراسة في العراق تستند الى جهود كوكبة تربوية رصينة امثال المرحوم ساطع الحصري ومتي عقراوي وزملائهم من قادة الفكر والتربية، يحققون افاقا من امثال نشر التعليم والمعرفة بين شرائح الشعب تحت مظلة وزارة المعارف العراقية التي كان يستوزر لها احيانا ذو اختصاص وباع طويل في المعرفة والتدريس واحيانا اخرى من هو بعيد جدا عن امورها واختصاصها!! كان يتعين على رب الاسرة استعدادا لتسوق متطلبات دراسة ابنائه من الطلبة ان يحسب كلفة الطالب من الكتب المدرسية والدفاتر والقرطاسية اجمالا بمعدل دينار لكل طالب ابتدائية ودينارين لطالب المرحلة المتوسطة، وثلاثة دنانير لطالب الاعدادية فاسعار الكتب المدرسية كانت تتراوح بين العشرين فلسا والمئتي فلس اما القرطاسية فكانت اسعارها منخفضة نسبيا تجعل للطالب حرية التحكم بالنوعية والاختيار ، متذكرين قيمة الدينار انذاك، حين كانت (للمرحوم) الفلس!! قيمة لها اعتبارها ، فبعشرة فلوس من الك الفلوس تتهيأ وجبة غداء معقولة للفرد الواحد، وما زاد عن العشرة يكون زيادة في الرخاء والتنوع !! و(الواشر) وهو الدرهم يجلب الكثير للاسرة فيه يمكن شراء كيلو من اللحم ويمكن التسوق لمؤونة عائلة متواضعة يوميا، اسوق هذه المعلومات لندرك حرص العوائل العراقية على تعليم ابنائهم وبناتهم مع عبء الكلفة، فكان من المألوف ان تجد الولي رجلا او  امرأة مستصحبا معه اولاده من البنين والبنات وهو يشتري لهم متطلبات دراستهم من الكتب والقرطاسية والدفاتر للعام الجديد، سعيدا بهذه المهمة مع انه يقتطع جزءاً غير يسير من معاشه أو مورده ليسدد تلك الضريبة راضيا ليوفر لاولاده فرصة العلم والتخرج والوظيفة المرموقة اجتماعيا وماديا، فهو يشعر بانه يخدم الوطن والنفس وتوفر له تلك الوظيفة والمهنة مصدر رزق مطمئنا وموردا ماديا يعين به الابن العائلة الكبيرة والوالد على امور المعيشة.. ومتطلبات الحياة.. الكتب المدرسية..مصادرها في تلك السنوات من الثلاثينيات بدأ العراق يعتمد على مطابعه في تهيئة جزء من المطبوع المدرسي، واغلب الكتب العراقية المدرسية كانت تطبع من قبل تاجرين كبيرين وكلاهما مستورد للورق ولديهما مطابع واجهزة جيدة نوعا ما وتكاد مطابعهما متفرغة لطبع الكتاب المدرسي. الذي يتهيأ قبيل موعد افتتاح المدارس وكانا يجهزان اغلب الكمية الى المرحوم محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية بالنسيئة و(على التصريف) لمدد قصيرة نسبيا لكي يتسنى لهم تصريف الكتب ومن ثم اجراء التسوية الحسابية مع الممول او الناشر.. وهكذا كانت الكتب متوفرة للجميع بسهولة ويسر وبالاسلوب نفسه يقوم تجار الشورجة باستيراد وتوفير وتوزيع القرطاسية المتنوعة الى المكتبات العديدة والمنتشرة في السوق (واشهرهم الحاج عبد الغني واخوه الحاج حسن ابو قلام) وبنفس اسلوب الدفع الاجل، وبتسديد للحساب باقساط اسبوعية وتتم تلك العمليات التجارية بكل ثقة  وامانة وصدق ..فالجميع يلتزم بحقوقه وواجباته المالية ويندر ان تجد من يشذ عن هذا السلوك التجاري التي يتم احيانا من دون مكاتبة او تسجيل فالثقة هي سيدة العلاقات والامانة هي رأسمال الجميع.. ولم يكن الا النادر الذي يسمح لنفسه ان يضحي برأسماله هذا.. وفي هذا المجال اذكر موقفا لأحدهم الذي اختصت مكتبته لبيع الكتب المدرسية والقرطاسية فكان هذا الرجل يطبع قبيل افتتاح المدارس قائمة باسماء الكتب المدرسية للمراحل الدراسية مشفوعة بانواع القرطاسية التي يحتاجها طلاب كل صف من كل مرحلة ويثبت اسعارا اقل من اسعار السوق بنسبة تصل الى عشرة بالمئة مما يحدث بلبلة واهتماما لدى الكثير من مديري المدارس ومديراتها وينصح الكثير منهم طلابهم وطالباتهم للتسوق من تلك المكتبة فترى التجمع على اشده عند ذلك المكتبي.. والهرج والمرج يشتد عند باب مكتبته من كثرة المراجعين والمراجعات.. وقد عجبنا جميعا (كاصحاب مكتبات) من اسعاره التي يفترض انها لاتحقق الربح له فكيف يعتمدها، واذ سألته عن سلوكه هذا اجابني ضاحكا ان عملياته هي الناجحة وذلك انه يستفيد من التجمع والتجمهر عند مكتبته فهو يقوم بتسجيل قائمة الحساب لكل مشتر على عجل وعند اجراء عملية الجمع يتعمد صاحبنا السهو والخطأ فيزيد من مجموع الحساب زيادة تعوض فرق اسعاره المزعوم واكثر، وهو اذ يتعمد هذه الزيادة لايجد المشتري الفرصة لتدقيق حسابه، واذا ما اكتشف الخطأ والفرق بالمبلغ بعد حين. يكون صاحبنا قد مزق نسخة الحساب الخاصة بالمكتبة، واذا ما راجعه بعض المشترين بعد ايام مكتشفا الفرق بالمبلغ، ادعى هذا (الشاطر –الكتبي) ان كثرة الازدحام وزخم الناس ادى للالتباس والخطأ في عملية الجمع.. فيعتذر بخباثة وحصيلة الامر.. انه بتعمده الاحتيال والكذب ضاعف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram