TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > المسرح والتحولات الاجتماعية فـي العراق

المسرح والتحولات الاجتماعية فـي العراق

نشر في: 26 إبريل, 2010: 04:42 م

أحمد شرجي انعكس الدمار الذي تخلفه الحروب على المنجز الأدبي والفني، في مختلف بلدان العالم، لأن أغلبها عاشت ويلات الحروب الخارجية، والأهلية بين طوائفها. الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تركت أثارا بشعة على البنية الاجتماعية للبلدان التي اشتركت بها،
 تداعيات هذه الحرب ظهرت في المنجز الأدبي والفني لتلك المجتمعات، صب الأدباء والفنانون جم غضبهم على الآلة الدموية التي سحقت الإنسان، خلفت وراءها أشلاء متناثرة، سحقت الإنسان، أكلت نيرانها آلاف البشر، وقد "عكس الأدب النظرة الجديدة إلى الحرب بكل صدق. هذا الأدب قد بدا من الخيال إلى الوهم، لكنه لا يدعو ألبته إلى الاستكانة والانهزامية. لقد صور أدب الخنادق للحرب العظمى "نفوق" الجنود كالأغنام وسحقهم كالحشرات الهائمة بعد تعرضهم لغاز الخردل"(في مسرح الحرب، سلسلة من المسرح العالمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط2، يناير 2010) ، استمر هذا الرفض لكل ما هو دموي ويصادر الفعل الإنساني، ويقوضه.اتخذ الأدب والفن موقفه الرافض لكوارث الحروب، بعيدا عن منابر الساسة والسياسيين، فلقد كتب (إرنست همنغواي) رائعته (لمن تقرع الأجراس) عن تداعيات الحرب الأهلية الاسبانية 1936، وما خلفته من تراكمات هزت المجتمع الاسباني برمته.الحرب العالمية الثانية (1939) كانت المفصل الحقيقي لرفض الأدب والفن للحروب، وما خلفته من تحولات جذرية في بينة المجتمعات، تمثل في استخدام السلاح النووي لأول مرة في هذه الحرب، ظهرت كتابات مناهضة لها ولويلاتها، منها كتابات دراما اللامعقول في أوربا، وخاصة في فرنسا التي تعتبر الحاضنة المهمة للتيارات الحديثة في الأدب والفن، جسدت دراما اللامعقول الفعل الهمجي للآلة الحربية الدموية، وعبثية تلك الحروب والأنظمة الشمولية التي تسحق الإنسان ببرغماتية الساسة.المنطقة العربية كانت لها حصة كبيرة من تلك الآثار التي خلفتها الحروب، كونها آنذاك بلداناً بطور التشكل المدني والحضاري هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعاني من الاستعمارات والاحتلالات المتتالية.لم يكن العراق بمنأى عن تلك الأحداث، إن كانت تأثيرات الحربين العالميتين، أو الاحتلالات المتلاحقة التي عاشها، كل ذلك ترك أثره السلبي على بنية المجتمع العراقي سياسيا واقتصاديا وأدبيا وفنيا.لعب المسرح دوراً مهماً في حياة العراق السياسية، أو بمعنى آخر، كان المسرح العراقي مسرحاً سياسياً في بداياته، كان قريباً من الشارع العراقي، وكان الكثير من رواده هم من بسطاء الناس الذين لا يفقهون شيئاً من المسرح يواظبون على حضور العروض المسرحية، وخاصة عروض فرقة المسرح الفني الحديث. وسط اضطرابات سياسية واجتماعية بدا تشكيل المسرح العراقي بتجربة علمية مدونة منذ أن انشأ (حقي الشبلي) معهد الفنون الجميلة في بغداد في الأربعينيات من القرن الماضي... وهذا الزمن يعتبر مبكرا مقارنة ببقية بلدان المنطقة العربية بالبلدان العربية وخاصة بلدان المغرب العربي ..قد تكون الكثير من العروض المسرحية انذاك طغت عليها الخطابات السياسية وفي أحيان كثيرة مباشرة مقيتة، وهذا حتما هو نتاج المخاض السياسي الذي يعيشه الشارع العراقي آنذاك، وكذلك نتيجة للأحداث السياسية السريعة التي بدأت تتغير بشكل كبير، منها قتل الملك (فيصل) وافراد العائلة المالكة، استلام العسكر لسلطة العراق، محاولة اغتيال (الزعيم عبد الكريم قاسم) بشارع الرشيد، ومن ثم إعدامه وكان هذا هو المنعطف الأكثر دموية الذي قاد العراق من عام 1963 إلى يوم 9 نيسان 2003، كل هذا بالتأكيد يترك أثره على كل مفاصل الحياة بالعراق ومن ضمنها المسرح حتما، بالإضافة لذلك تعدد الآيديولوجيات في الساحة العراقية، وكان للفكر اليساري حصة الأسد في استقطاب المثقفين والفنانين.كل هذه المعطيات ساهمت إلى حد ما بتدجين المسرح، وتقويض دوره الاجتماعي داخل المجتمع العراقي، بدأت العروض المسرحية تحمل أفكارا تمليها الأحزاب، وكأنها تقارير حزبية، وبدأت تظهر تقاطعات فنية نتيجة الانتماءات الآيديولوجية الضيقة.بعد مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1963، وتسلط الحزب الواحد (حزب البعث)، ومن ثم القائد الأوحد، بدأ المجتمع العراقي الدخول في بئر الدم نتيجة الدكتاتورية والقمع، بكل مستوياته الاجتماعية والثقافية، بدأ المثقف السلطوي يأخذ دوره الحزبي بإنتاج خطاب سلطوي مؤدلج.وأيضا هناك مثقفو الأحزاب الأخرى التي كانت تتحرك بهامش بسيط من الحرية على الساحة المسرحية العراقية، لكن أيضا وفق آيديولوجيا محددة، رغم أنها كانت فنيا أكثر أهمية من الخطاب السلطوي للحزب الواحد، لكن بكلا الحالتين هو خطاب مؤدلج كون معظم السلطات تسعى لتهميش دور الثقافة والمثقف، وعندما ضربت الأحزاب من قبل النظام الشمولي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وغادر معظم كوادرها إلى خارج العراق، غادر فنانوها ومثقفوها معها، وبدأت مرحلة التأليه للحاكم، بدأت معها مرحلة جديدة من عمر الثقافة العراقية، ومنها المسرح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram