عامر القيسيمن مظاهر بناء العراق الجديد ، هي الالتجاء إلى سلطة القانون لحل اشكاليات التجاذبات السياسية والاختلافات الحاصلة بشأن هذه القضية أو تلك بين الكتل السياسية . وآخر الالتجاءات كانت المتعلقة بتفسيرات الكتلة الأكبر ، ثم قضية العد والفرز مجددا ، واصوات الذين شملتهم اجراءات المساءلة والعدالة .
ورغم الاعلان الرسمي من كل الكتل السياسية ،الفائزة منها والخاسرة في انتخابات السابع من آذار ، ان احكام القانون هي الفيصل في نزاعاتها السياسية ، الا اننا نلحظ صراحة بعض الاتجاهات والتوجهات لتسييس الاحكام القانونية أو تجييرها في الضد تماما من الاعلانات الرسمية لهذه الكتلة أو تلك عن انصياعها لقرارات القضاء . ان هذا النمط من التسييس أو التجيير يسبب اشكالا حقيقيا لتطور واستمرار العملية السياسية الديمقراطية الجارية في البلد ، فضلا عن ان مثل هذه المواقف ،تفقد مصداقية هذه القوى لدى الناخب والجمهور الذي لم ينتخب ، مما يعزز الطروحات المعادية للوضع العراقي الجديد ، ويمنحها ادلة وبراهين مجانية لتسويق خطابها السياسي والاعلامي المعادي ، والذي يتحدث دائما عن هشاشة الوضع السياسي والقانوني في العراق بعد التغيير ، ومرور سبع سنوات على سقوط الدكتاتورية التي كان القانون بالنسبة لها "جرّة قلم". ان على القوى السياسية العراقية المهتمة بمستقبل العراق ومصالح الشعب ، ان ترسخ مفهوم سلطة القانون وقوته واعتباره المظلة التي يحتمي بها الجميع من اي خروقات للحقوق الشخصية أو السياسية ، وعليها ان تعزز اتجاهها العلني بسلوك تفصيلي يومي في تعاملاتها السياسية فيما بينها . ربما يصيب الحيف هذه الكتلة أو تلك ، بسبب قرار قضائي ربما لايكون منصفا لها ، لكن هذا ليس نهاية العالم بالنسبة لها ، ولا نهاية للعملية السياسية ، ولا نهاية للكتلة نفسها ، وعمليا ووطنيا واخلاقيا فان تحمل الحيف ومعالجته بالطرق القانونية ، افضل بما لايقاس ، من خلق التوترات وتوزيع الاتهامات وشحن الشارع ما يؤدي ربما الى الانجرار الى العنف الذي لن يسلم منه احد .المثال الحضاري الذي قدمه المواطن للنخب السياسية في تجاوزه للكثير الكثير من الحساسيات والاحقاد وإرث الماضي ، وذهب الى صناديق الاقتراع متحديا قوى الظلام والموت ، لاجل العراق الذي يريده ، والاكيد ان المواطن سوف لن يبدي اعتراضا,و ينساق الى اجواء الشحن السياسي ، مهما كانت النتائج ، وفعلها من دون مزايدات وطنية ، لكن خطابات التصعيد وشحن الشارع وتهديدات العنف، ولدت عنفا حقيقيا في الشارع، واعادت الى حد ما اجواء التوتر العالية، بين الشرائح الاجتماعية .اننا كمواطنين نطالب القوى والكتل السياسية، ان تسلك سلوكنا الحضاري وتخفف من اشتراطات التصالح والتحالف والتعاون والاتفاق، من اجل المصلحة العليا للبلد، ووفاء للشهداء الذين استرخصوا دماءهم من اجل ان ينهض هذا العراق على قدميه، ويبني تجربته الخاصة والفريدة والمعقدة، لكنها في نفس الوقت القابلة للسير الى الامام وان كان السير بطيئا، وان كان بالتضحيات التي يقدمها المواطن من دمه واعصابه واولاده ومستقبله ، الوطنية الحقيقية، هي الالتجاء إلى القانون والقبول بنتائجه وتحمل نتائج القرارات القضائية، لان خسارات الانصياع للقانون هي اقل بكثير من خسارات الانجرار لخطابات تهييج الشارع ونتائج هذا التهييج.
كتابة على الحيطان: سلطة القانون والعراق الجديد
نشر في: 26 إبريل, 2010: 08:07 م