أن تكون مؤرخا مسرحيا ذلك يعني انك توثق التأريخ البشري .. لأن التأريخ المسرحي هو تأريخ الاوجاع والمعاناة الانسانية على مر العصور والحقب والتحولات الزمنية بحكم ان (المسرح ) - فنا ادائيا ومدونة نصية – هو الوجه الحقيقي لحياة الناس في ايما زمان او مكان.
في ضوء هذا الفهم راح عدد من الاسماء الكبيرة ممن امنوا وانتموا حقا لهذا الفهم بوصفهم المؤرخين المسرحيين اللامعين في هذا المخاض الانساني الذي حوى العالم برمته وعكس جميع التطورات والتحولات الحياتية بهدف صناعة الحياة الجديدة الحالية والمستقبلية, راحوا يوثقون تاريخ البشرية بكلية ايمانهم وانتمائهم وصدقهم ونبل مساعيهم , نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عدداً من هؤلاء العمالقة مع ابرز مؤلفاتهم في هذا المجال : تاريخ المسرح في ثلاثة الاف سنة لشلدون تشيني و تاريخ المسرح لفيتو باندولفي والمسرحية العالمية لألادريس نيكول و سوسيولوجية المسرح لجان دوفينو والتراجيديا الشكسبيرية لبرادلي و الدراما في القرن العشرين لبامبر جاسكوين والموسوعة المسرحية لجون رسل تيلر, الى جانب اسماء عربية مهمة مثل: محمد يوسف نجم في كتابه (المسرحية في الادب العربي الحديث) و سعد اردش في (المخرج في المسرح المعاصر) وكمال الدين عيد في (اعلام ومصطلحات المسرح الاوربي) و سامي عبد الحميد في ( ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين ) و ماري الياس وحنان قصاب حسن في (المعجم المسرحي) كل هذه المؤلفات باسمائها – واخرى مثلها او قريبة الصلة بها - حفظت لنا حقائق الانسانية ومنجزاتها عبر التاريخ .وياتي اليوم ليضيف اسمه مؤرخا مسرحيا كبيرا بجانب هؤلاء وبعد ان عرفناه مخرجا مسرحيا وممثلا ومفكرا ومنظرا واستاذا جامعيا ومؤسسا لفرقة مسرح الحكواتي اللبنانية. ياتي (روجيه عساف) بجدول تاريخي كبير للمسرحيين والمسرحيات وهو كتابه الجديد الموسوم ( سيرة المسرح – أعلام و أعمال) في طبعته الاولى الصادرة من دار الاداب للنشر والتوزيع بيروت 2009 وبمجلدين : الاول (العصور القديمة) والثاني ( القرون الوسطى) فنقول حقيقة مفادها : يبدو ان التاريخ المسرحي حين يكتبه المبدع المسرحي له نكهة خاصة تميزه جماليا وفكريا عن ذاك التاريخ المسرحي الذي يكتبه المؤرخ حسب , هذا ما خرجنا به كاستنتاج اولي لقراءتنا هذا المنجز التاريخي فعلا لتاريخ المسرح بقلم مبدع مسرحي عرفنا وشهدنا وتابعنا تاسيساته المعرفية والجمالية لمسرحنا العربي , ذلك ان ( روجيه عساف ) من رجالات مسرحنا العربي التي تنطبق عليه جملة (غني عن التعريف).اقول : لقد ادرك عساف السر في انتقاء مايجب ان يؤرخ وهذه براينا المائزة الكبرى في هذا الكتاب عما سبقه فهو يقول في توطئة كتابه : ( يطمح هذا العمل الى تزويد القارىء بالمعلومات التاريخية والتقنية واطلاعه على المعطيات الفكرية والفنية الخاصة بالذين تركت ممارستهم المسرحية اثرا في ثقافتنا العصرية ومخيلتنا الحاضرة من مؤلفين وممثلين ومخرجين ومهندسين ومنظرين .. فبالتالي ووفقا لهذا المقتضى تم انتقاء الاعلام والاعمال بالنسبة الى قدرة ابداعهم على احداث رد فعل في ذهننا وتحريك شعورنا ) وفعلا كان ( عساف ) ناجحا في قياس ردة فعله الإبداعية وحدسه الشعوري لينتقي من تاريخ الإنسانية الكبير أعلاما وأعمالا دفعت عجلة الوعي والثقافة الى أمام بشكل واضح للعيان وفي مختلف الحقب والازمان . المائزة الاخرى التي اعطت لهذا المنجز التاريخي متعة قرائية ساحرة هي لغة الكاتب واسلوبه المشوق في متابعة سطور الكتاب حيث الصياغات الجملية الانشائية المعبرة عن محتوى الفكرة الاساس لهذا الاسم المسرحي ولتلك المسرحية المنتقاة والمشوقة باحداثها هي الاخرى الى جانب مشوقات الأسلوب التاليفي نفسه , وباعتقادنا ان هذه المسالة لها مسوغاتها الواضحة التي تنطلق من خبرة ( عساف ) الثقافية والتأليفية والأكاديمية ( البحثية ) بجانب الخبرة الفنية , كل هذه الخبرات المتراكمة تفاعلت بصدق المسرحي وانتمائه مع التاريخ لتنتج لنا سيرة مسرحية جديدة توثق للمسرح وللإنسانية وتجدول لنا التاريخ المسرحي بقراءة جديدة فاحصة متأنية منتقية تسدد كراتها الى الهدف مباشرة , ومن هنا جاء هذا الكتاب لا ليكون للمتخصصين حسب بل للقراء جميعهم بمختلف اهتماماتهم الثقافية لامتلاكه عدداً من عناصر الجذب فضلا عن شكل طباعة حروفه وتشكيلاتها اللغوية وهذا ما اضاف جمالية شكلية أخرى تناسبت تماما مع جماليات المضمون بشكل لا اختلاف عليه . فعلى سبيل خاتمة موقتة يذكر المؤلف : ( النقطة الجوهرية في اعادة مفاهيم المسرح الى بساط البحث تكمن اولا في دحض عمومية المسرح الغربي والتيقن بعلاقة كل ظاهرة مسرحية مع اطارها الاجتماعي التاريخي وعدم امكانية تحليلها دون معرفة هذا الاطار المعين الذي نشات فيه , بمعنى اخر بعد هيمنة طالت خمسمائة سنة لاحتلال تاريخ المسرح من قبل نظام صممه واعده وعممه اساطين الثقافة الاوربية كما لو انه قياس التصريف النمطي للغة احادية المعاني لا تخضع للظروف والاطر الاجتماعية , آن الأوان للنظر الى تاريخية الاعمال المسرحية وادراك قيمتها المميزة في اطار ظروفها السياسية والاجتماعية والثقافية وبالتالي تقييم قدر
مــراجــــعـــــات ..المسرح فـي سيرة.. أعلام و أعمال
نشر في: 27 إبريل, 2010: 04:53 م