TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > اوراق :فـي أدب الفكاهة

اوراق :فـي أدب الفكاهة

نشر في: 27 إبريل, 2010: 04:57 م

محمود عبد الوهاب يُقال إنّ الشعبَ السعيد لا يُحسِنُ صُنعَ النكتة، معنى ذلك أنّ النكتة وليدةُ الأزمات، وأنّ الشخص السعيد لا يضحك، إذ لا حاجةَ بهِ إلى الضحكة، وقد يكتفي بالابتسامِ أحياناً. مثل هذه الأقوال تستغرِقُ في المُطلق، وتفتقرُ إلى النسبية، فالنسبيةُ في المطلق أساسٌ في صواب الأحكام،
 ولكي يكون شيءٌ ما مضحكاً ينبغي له أن يكونَ بين أسبابه ونتائجه افتراق أو عدم انسجام، ما يعني ثنائيةً في الوحدة أو انسجاماً معكوساً.قد تكونُ الطُرفَةُ أو النادرة أسلوباً من أساليب المعارضة المتكتمة، ومن هنا ينبغي ألاّ تؤخذ بمعزلٍ عن واقعها، فهي إشارة إلى اختلاف أو تضاد بين ما هو كائن وما يُراد له أن يكون، والنادرةُ لا تقفُ في غاياتها عند النقدِ أو الإضحاك حسب، لكنها تكتسبُ طابعاً جمالياً كالفنّ أيضا، فما أن يكتفي الضحك بحاجته الفسيولوجية حتى يكتسب الطابع الجمالي، فالانفعال الذي يُثيره الضحك في النفس يسمو بها إلى رؤية مغايرة.أوْلى المؤلفون العرب أدبَ الفكاهة عنايةً كبيرة، ومن أبرزهم الجاحظ  وابن قتيبة وابن عبد ربّه والتوحيديّ والنويريّ وابن الجوزيّ وابن ممّاتيّ، كما كتب عن أدب الفكاهة مُحدَثون مثل الدكتور أحمد محمد الحوفي والدكتور زكريا إبراهيم ويوسف الشاروني والدكتور محمد مشبال ومحمود السعدني.ومن أبرز أدب الفكاهة نوادرهُ، والنادرة تجنيساًًُ أقصوصة قصيرة أو وحدة سردية تنطوي على فعل أو حدث يكشفُ عن حكاية مُفارِقة، وليس هذا التجنيس منضبطاً تماماً لنوع النادرة ، فغالباً ما تلتبسُ النادرة بغيرها من حكاياتٍ طريفة، فالجاحظُ مثلاً يُطلِقُ على حكاياته بالنوادر والمُلَحِ والطُرَفِ والقصص والأحاديث، وكُلُّ هذه تُحيلُ إلى سُرودٍ تكادُ تحملُ مفهوماً واحداً يدلُّ على نوعٍ من السرد القصير المتميز بالطُرفةِ المثيرة لاستجابةِ مُتلقيها.كتبَ الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون بحثاً في دلالة المُضحِك ضمَّهُ كتابه "الضحك"، قال: أنْ "لا مُضحِك إلاّ في ما هو إنسانيّ"، أي إننا لا نضحك لرؤية منظرٍ أو جماد أو حيوان، فالضحك يُثار حينما تكون أمام مشهدٍ بشريّ، ثم إن الضحك بحاجة إلى صدى، فضحكُنا هو أبداً ضحكُ جماعة، ولطالما نرى أنّ أشدَّ ما يكونُ الضحك في مسرحٍ تغصُّ قاعتُهُ بالناس، فالضحكُ إذن ظاهرة عدوى كالتثاؤب، وترجِعُ عدواه إلى ما يُسمّى بـ"الإشعاع السيكوفيزيائي"؛ وقد أشار الجاحظ في كتابه "البخلاء" إلى مثل هذه الحقيقة، قائلاً: "فما ضحكتُ قطّ كضحكي تلك الليلة، ولو كان معي مَنْ يفهم طيّب ما تكلمَ به محفوظ النقاش، لأتى عليَّ الضحك، ولكن ضحك مَنْ كانَ وحده لا يكون على شطر مشاركة الأصحاب".كتبتُ، قبل سنوات، مَبحثاً في الفكاهة عند الجاحظ، ألقيتُهُ في المركز الثقافي لجامعة البصرة، تناولتُ فيه مفهوم الفكاهة عنده، وكانَ مفهومُهُ يقومُ على ركائز منها: إن الضحك غريزة، وانّ  الضحك اجتماعيّ، وان النادرة ينبغي أن تُروى على ما سُمِعَتْ به عاميةً أو فصيحة، كما يؤكّد الجاحظ أنّ المرءَ قد يتندّرُ بنفسه أو بأصحابه، تنفيساً لغيظٍ مكتوم أو تعبيراً عن موقفٍ اجتماعيّ، كما يؤكد الجاحظ أيضا، أن أدب الضحك لهُ حدودُهُ متى تجاوزها صارَ الفضلُ خَطَلاً، فللضحك موضع وللمِزاحِ موضع.قد تأتي النادرة دلالةً على الذكاء والبديهة، وقد تأتي دلالة على الغفلة: ومما يُحكى عن جُحا في الذكاء والبديهة: أنّهُ كانت لجحا زوجتان، فأهدى كلُّ واحدة منهما عِقْداً، وأمرهما ألا تُخبر كلّ منهما ضرّتها، وفي يومٍ اجتمعتا عليه وقالتا: مَنْ التي تُحبّها أكثر من الأخرى؟، فقال: التي أهديتها العِقْد هي أحَبُّ إليَّ، فسُرَّتْ كلٌّ منهما، واعتقدت أنها هيَ المحبوبة.ومن نوادره في الغفلة: جاءً جحا إلى قوم، وفي كمّه خوخ، فقال لهم: مَن أخبرني بما في كمّي فله خوخة منه، فقالوا: خوخ، فقال: ما قالَ لكم إلا مَن أمّهُ زانية.محمود عبد الوهاب يُقال إنّ الشعبَ السعيد لا يُحسِنُ صُنعَ النكتة، معنى ذلك أنّ النكتة وليدةُ الأزمات، وأنّ الشخص السعيد لا يضحك، إذ لا حاجةَ بهِ إلى الضحكة، وقد يكتفي بالابتسامِ أحياناً. مثل هذه الأقوال تستغرِقُ في المُطلق، وتفتقرُ إلى النسبية، فالنسبيةُ في المطلق أساسٌ في صواب الأحكام، ولكي يكون شيءٌ ما مضحكاً ينبغي له أن يكونَ بين أسبابه ونتائجه افتراق أو عدم انسجام، ما يعني ثنائيةً في الوحدة أو انسجاماً معكوساً.قد تكونُ الطُرفَةُ أو النادرة أسلوباً من أساليب المعارضة المتكتمة، ومن هنا ينبغي ألاّ تؤخذ بمعزلٍ عن واقعها، فهي إشارة إلى اختلاف أو تضاد بين ما هو كائن وما يُراد له أن يكون، والنادرةُ لا تقفُ في غاياتها عند النقدِ أو الإضحاك حسب، لكنها تكتسبُ طابعاً جمالياً كالفنّ أيضا، فما أن يكتفي الضحك بحاجته الفسيولوجية حتى يكتسب الطابع الجمالي، فالانفعال الذي يُثيره الضحك في النفس يسمو بها إلى رؤية مغايرة.أوْلى المؤلفون العرب أدبَ الفكاهة عنايةً كبيرة، ومن أبرزهم الجاحظ  وابن قتيبة وابن عبد ربّه والتوحيديّ والنويريّ وابن الجوزيّ وابن ممّاتيّ، كما كتب عن أدب الفكاهة مُحدَثون مثل الدكتور أحمد محمد الحوفي والدكتور زكريا إب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram