TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: كارافاجيو الذي لا يزال يعيش بيننا

منطقة محررة: كارافاجيو الذي لا يزال يعيش بيننا

نشر في: 28 إبريل, 2010: 04:34 م

نجم واليلمعرفة التطور الذي شهده تاريخ الفن في أوروبا والعالم، يكفي التفكير بالخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء في العالم والذي جاء فيه، أن أكثر من خمسئة شخص من القرية التي جاء منها الرسام الإيطالي كارافجيو، والذين يحملون الإسم العائلي ذاته، أعطوا عينات من لعابهم للدوائر الطبية في إقليم بوبونيا في إيطاليا، وهم لم يفعلوا ذلك من الحصول على منفعة مادية في حالة ثبوت صلة قرابة مع أحد عمالقة الرسم في تاريخ الرسم في إيطاليا والعالم،
 بل فعلوا ذلك أكثر لكي يساعدوا المختصين بتاريخ الفن من التأكد أن الجثة التي عثروا عليها قبل فترة قريبة، تعود بالفعل لكارافاجيو، وربما لمعرفة أيضاً الأسباب الحقيقية التي قادت إلى موته، السلطات الإيطالية لجأت إلى ذلك مضطرة لأن الفنان الذي تمر في هذه الأيام ذكرى أربعة قرون على وفاته لم يتزوج ولم يترك ذرية وراءه، فضلاً عن ميله المعروف للجنسية المثلية.القصة تلك هي دليل آخر على تصاعد الإهتمام بكارافاجيو وهي حلقة واحدة من حلقات أخرى مفقودة لها علاقة بشخصيته التي تشغل مؤرخي ونقاد الفن بشكل غير مألوف. وبقدر ما كان حتى جيلين ماضيين من الصعب على أحد في مكان ما في العالم الإدعاء بأنه يجهل معرفة الرسام، النحات والمخترع..و..و.. الإيطالي ميخائيل أنجيلو، فإن من غير الممكن اليوم على من له علاقة حتى وإن كانت بعيدة بتاريخ الفن، الإدعاء بأنه لا يعرف الفنان، القاتل والرسام المعاصر مبكراً: كارافاجيو.ولمعرفة تصاعد الإحتفاء غير العادي بكارافاجيو في هذه الأيام، على المرء أن يتصفح المقالات والبحوث الخاصة به والتي تزدحم بها الصحف المشهورة في العالم، سواء تلك التي كتبها مراسلون صحفيون عالميون من إيطاليا، أو تلك التي كتبها نقاد مختصون بشؤون تاريخ الفن، لدرجة أن المرء يكتشف بأن القيمة الشعبية للرسام والتي هي بتصاعد دائم، لا يمكن مقارنتها إلا بما حصل في الماضي مع ميخائيل أنجيلو، الذي وُلد بسبع سنوات قبل كارافاجيو ومات قبله والذي كان حتى سنوات قليلة هو الشخصية المحورية التي لا يمكن مقارنة شعبية فنان آخر من جيله به. اليوم لا يذهب العديد من نقاد الفن في رأيهم الذي يقول، أن كارافاجيو تجاوز ميخائيل أنجيلو في فنه وحسب، بل هذا ما يقوله واقع الحال أيضاً، إذ منذ أواسط الثمانينيات ظهرت بشكل واضح دراسات ومقالات وكتب عن كارافاجيو فاقت في مجموعها تلك التي ظهرت عن ميخائيل أنجيلو. ولا يشمل هذا الأدب المختص بالفنان كارافاجيو وحسب، بل يتعدى ذلك إلى الأعمال الإبداعية التي أنجزت عنه في مجالات أخرى. شخصية كارافاجيو تحولت في العقدين والنصف الأخيرين إلى مادة أو ثيمة إعتمدت عليها روايات وأفلام عديدة، وحتى اليوم لم تتوقف الموجة تلك حسب الإحصائية التي قام بعملية جرد لها مؤرخ الفن الكندي فيليب سوم. شخصياً لا أزال أتذكر الفلم الإنكليزي البارع الذي شاهدته عام 1986 في إحدى صالات السينما في مدينة هامبورغ في ألمانيا. الفلم الذي أخرجه المخرج البريطاني ديريك جارمان والذي تناول حياة رسام عصر الباروك، كان خليطاً متقناً وعبقرياً حوى على الكثير من الجنس والجريمة والثقافة العالية، وهو هذا الفلم في الحقيقة الذي شجع في النهاية علماء الآثار في جامعة بولونيا ورافينا الإيطاليتين على أن يشرعوا برحلة بحث لم تنته حتى اليوم من أجل العثور على جثة الرسام الذي مات في عام 1610 في بورتو أيكولو والذين فشلوا للاسف حتى اليوم في العثور عليها، رغم أن ما توصلوا إليه من حين إلى آخر إحتل الصفحات الأولى من الصحف الإيطالية.ترى ما هو سر هذا النجاح الذي بدأ يتراكم منذ قرابة عقدين ونصف؟ المؤرخ الكندي يدعونا مثلاً بالبحث على جواب عن ذلك عند المؤرخين أنفسهم. عن الرسامين، يُقال مثلاً، أن كل رسام يرسم نفسه في لوحاته، أمر شبيه، حسب المؤرخ الكندي: كل باحث، دارس في تاريخ الفن يكتب عن نفسه. كارافاجيو الذي مات دون أن يترك وراءه ملفاً يحوي تخطيطاته أو مشاريع لوحاته، بل لم يترك وراءه حتى دفتر يوميات، تحول إلى حرث صالح لإسقاطات الباحثين، لما تمنوه. فمنذ أن منحه الناقد الفني روجر فراي في عام 1905 لقب "المعاصر الأول"، لأنه إنطلق في إبداعه الفني من الثورة على التقاليد، تحول كارافاجيو إلى الفنان اللامنتمي المتمرد على كل التقاليد وعبر العصور، بلا منازع، بالضبط كما أراده مؤرخو الفن المعاصرون. ليس من الغريب أن يقارنه البعض بشي غيفارا الأكاديميين، نموذجاً لرغبات البعض بالعثور على فنان أكثر تمرداً من رسام شغل العالم ويشغلها حتى اليوم ايضاً، ميخائيل أنجيلو، الذي عُرف عنه علاقاته الجيدة، أو في الأقل غير الإشكالية مع الكنيسة ومع طبقة النبلاء في عصره.طبعاً اللوحات التي رسمها كارافاجيو غذت هذا التفسير، وليس المقصود هنا اللوحات الكثيرة التي نُسبت له، بل المقصود هنا هو اللوحات التي أصبحت من حكم المؤكد تحمل بصماته، والتي جمعها أسلوب واحد: إختلافها عن عصرها بتكنيكها وبطريقة تنفيذها، أمرين ميزا رساماً  عن بقية زملائه في عصر الباروك، من الضروري التأكيد هنا أيضاً، أن ربما بعد رامبرانت، ليس هناك رساماً زُيفت لوحاته، أو حملت توقيعه "المزيف"، أو ليس هناك لوحات نُسخت من لوحات له، مثلما حدث للوحات كارافاجيو، هناك بعض اللوحات عُثر على ثلاث أو أربع (أو ربما اكثر) نسخ منها.إحدى تلك اللوحات مثلاً هي لوحته المشهورة التي ح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram