جمال كريم توقف قلب الاكاديمية والمترجمة والباحثة والشاعرة حياة شرارة، في اب عام 1997 ، ومهما قيل في اسباب رحيلها ومفارقتها الحياة، تظل الراحلة كياناً انسانيا مميزا سواء في عطاءاتها الابداعية المتعددة في اكثر من حقل وميدان، او في سلوكها الحياتي المعيش ودماثة اخلاقها،
فقد تنوع انتاجها الثر بين الكتابة السردية، رواية وقصة وبحثا ومقالة وترجمة، وتحقيقا فضلا عن كتابتها لديوانين شعرييين ويعود كل ذلك، الى اتنوع ادواتها الثقافية والمعرفية، من كونها نشأت في بيئة ثقافية وفكرية وادبية أسست الى حد كبير لقاعدتها المعرفية، فقد كان والدها محمد شرارة شاعرا وله صالون ثقافي وادبي يرتاده جمهرة من الادباء والمفكرين والشعراء العموديين او التفعيليين من امثال:الجواهري ورائدي الحداثة الشعرية ، السياب والبياتي، ينضاف الى ذلك سفرها الى روسيا الذي اغنى كثيرا من قدرتها الثقافية والابداعية من خلال قراءاتها الواعية والذكية اللماحة في فنون السرد القصصي والروائي، ممثلة بعمالقة الادب الروسي الكلاسيكي سنينئذ، مثل دوستوفيسكي، وتيشخوف، وتولستوي وغوركي وغيرهم الكثير. rnومن اثارها البارزة والمهمة، انها حققت كتابين لوالدها هما"" المتنبي بين البطولة والاغتراب" و"نظرات في تراثنا القومي"، ومن إصداراتها في الترجمة، كتاب فن الترجمة وكتاب تشيخوف بين القصة والمسرحية، ولها في الشعر ديونانا مخطوطان هما: قصائد قديمة، وشفق الفجر، ولها رواية بعنوان، اذا الايام اغسقت، صدرت بعد وفاتها في بيروت ، غير ان كتابها الاهم هو صفحات من حياة نازك الملائكة، الصادر عن دار رياض الريس في لندن عام 1994، وهو كتاب سيري عن حياة الرائدة نازك الملائكة وقد بذلت الكاتبة جهدا كبيرا في تقصي ادق التفاصيل المتعلقة بنشأة الملائكة من الجانب الاجتماعي والثقافي، وذلك من خلال المصادر الموثقة واللقاءات الشخصية مع ذوي ومقربي واصدقاء الشاعرة، فهي بهذا المنجز لم تعتمد فقط على ما وقع بين يديها من مدونات او وثائق نقلتها بما عرف عنها من اناة علمية وبحثية فضلا عن كتاب (نازم لامحات) من سيرة حياتي وثقافتي، تقول الراحلة شرارة في مقدمة كتابها: منذ ان سجلت ذكرياتي عن نازك الملائكة في مقال بعنوان تلك ايام خلت "ظلت تخامر ذهني فكرة الكتابة عن سيرة حياتها بشكل تفصيلي بحيث استطيع ان اعطي صورة شخصية حية لها تنبض بالحركة، غير ان المشاغل الادبية اليومية وغير الادبية جرفتني في تيارها ولم تفسح لي المجال لعمل فكري في هذه الدراسة واشرع في البحث عن السبيل المؤدية الى الحصول على مئات التفاصيل الصغيرة اليومية التي لابد منها لكل من يريد ان يكتب عن سيرة حياة شاعر او كاتب.وعن طبيعة هذا العمل الذي انجزته تضيف شرارة: كنت ادرك انه ينطوي على شيء من المغامرة واكتشاف ما يسرني وما يسوءني ما يشحذ عزيمتي او ما يثبطها، غير انني لم اكن اميل الى التخلي عن هذه الفكرة، كنت اعتقد انني استطيع ان انجح في هذا العمل، لأنني كنت مطلعة منذ صغري على حياة نازك الملائكة وعائلتها والبيت الذي عاشت فيه، فقد كانت الزيارات بين عائلتينا مستمرة، وكنت اصغي لنازك عندما تقرأ الشعر، واسعد عندما اسمعها تغني وتعزف على العود في ان واحد واجلس صامتة مثل الاخرين عندما تسمعنا الموسيقى الكلاسيكية كنت معجبة بشخصيتها ، بهدوئها بتواضعها، بشاعريتها، بتوجهها لنا، باهتمام الناس بها، كل ذلك كان حبيبا الى نفسي، وارتسمت لها في ذهني صورة شاعرية شفافة ظلت تلازمني حتى الان، ان هذه العلاقة الاجتماعية، كما تشير شرارة بين الاسرتين فضلا عما تعيشانه من اجواء ثقافية وادبية متقاربة، جعلتها تلتقي وتصغي بل تعجب وتطري كل هذا الاطراء بنازك، ثم ليكون ذلك من بعد محفزاً قوياً في انتاج هذا الكتاب السيري عنها، يقع الكتاب في مئتين واربع وعشرين صفحة من القطع المتوسط، تغطي حياة الشاعرة من مرحلة الطفولة والصبا والنضوج وبداياتها الاولى مع تجربتها الشعرية وبخاصة صدور ديوانيها الاولين من بعد ذلك، وحتى رحلة دراستها الاكاديمية في جامعة "برنستون" الاميركية وعودتها الى الوطن والاغتراب ثانية حين درست في جامعة الكويت، والعودة مرة اخرى، ثم لتخطو نحو عتبات السبعين من عمرها قبل ان تغادر ارض العراق الى الابد. rnالشكل الشعري الجديدوفي فصل سير الزمن والتضلع بالثقافة، تعرض شرارة الى تحولات، اجتماعية واقتصادية مهمة، اما الفصل الذي خصصته شرارة لديواني نازك "عاشقة الليل" الذي كتبت مقدمته اخت الشاعرة احسان الملائكة والصادر عام 1947 وشظايا ورماد الصادر عام 1949 ، فقد تابعت خلاله الاحداث والهزات والنكبات التي وقعت وعصفت بالمنطقة اعوامئذ، وكان لها كبير الاثر على نفس نازك وقريحتها الشعرية الفتية، وتذكر ايضا تلقف القراء لديوانها الاول وانقسامهم بين معجب ومتعجب لما احتوى من تعبير عن الحزن والكآبة والشؤم، ثم لتشير بعد ذلك الى ولادة اول قصيدة تفعيلة للشاعرة وهي قصيدة الكوليرا والتي اعتمدت على الشطر الشعري بدلا من وحدة البيت الشعري المؤلف من صدر البيت وعجزه، فحين انتشر وباء الكوليرا في مصر وحصد مئات الارواح من الضحايا، حاولت الشاعرة ان تعبر ع
حياة شرارة سيرة حافلة بالعطاء الابداعي والانساني..
نشر في: 28 إبريل, 2010: 04:38 م