عبدالله السكوتييحكى ان صديقين كانا يسيران فرأيا من مسافة بعيدة شبحا اسود, فقال الاول : هذه عنزة , وقال الثاني هذا غراب,وأصر الاثنان على قولهما , فلما اقتربا الى ذلك الشبح طار , فقال الثاني للأول : ألم اقل لك انه غراب , فأجاب الاول: انها عنزة وان طارت.
هذه الحكاية تشير الى من يصر على رأيه حتى وان كان خطأ, حيث يدافع عنه ويحشد الاتباع ويغري الاخرين باعتناقه ,والرأي من الاهمية اذ انه ربما يغير مسيرة شعب بكاملها نحو الاسوأ ان كان خطأ ونحو الرفعة ان كان صحيحا حيث قال المتنبي : الرأي قبل شجاعة الشجعان هو اول وهي المحل الثاني وعلى هذا الاساس يجب ان لا يكون الشعب حقل تجارب فهذه المهمة قد تركت للاطباء حين يجعلون من المريض حقلا ليجربوا عليه مختلف الادوية فأيهما يصيب العلة فليكن , وعليه يجب ان لا يسمح الشعب العراقي بتكرار المحاصصة , وان يقول كلمته فيما يدور حول لبننة الوضع السياسي العراقي , لاننا في هذه الحالة سنعزز مراكز القوى التي نمت لدينا بعد عام 2003 , وبدل التفكير بتقليد تجارب الاخرين او السير على مسيرتهم من الممكن ان نضع تجربة جديدة في اساليب الحكم، وتوزيع المناصب كي نقطع الطريق امام محاصصة اخرى , ربما تأتي تحت تسمية اخرى وتغري البعض بأنها تجربة ناجحة لكنها تخفي تحت ثيابها فوهة البركان.نعم هناك تعثر واضح في المفاوضات بين الكتل السياسية التي اشتركت في انتخابات السابع من اذار الماضي , وهناك من يجلس خلف الكواليس ليحرك بعض الخيوط التي تثير المشاكل وتدق الاسفين وهذه الخيوط ممتدة الى مسافات بعيدة , ولذا نرى اختلال المواقف بين فترة واخرى، وهذا الاختلال لم يأت عن موقف سياسي، ولا دعوة لاحقاق الحق من قبل المؤسسات الديموقراطية التي اشرفت على الانتخابات، وانما تأتي لإعادة عقارب الساعة الى الوراء بحجج مسوغة.هنالك تسويف في قبول بعض الطعون والتحقيق بما ورد فيها بحجة ان الوقت غير كاف وانها تحتاج -اي المفوضية- الى وقت طويل للبت في بعض الامور، في حين تغير موقفها تجاه بعض الطعون، وهذا كله يأتي كما فعل احدهم حين وقف على بركة ماء صافية او في طريقها الى الصفاء حيث تنسحب الشوائب الى القعر , فيقوم برمي حجارة في هذه البركة فيختلط الماء ويصبح غير سائغ للشراب , وهذا ماحدث، لقد رمى احدهم في البركة حجرا املا منه انه يستطيع قلب الاوضاع وتغيير المعادلة الانتخابية، او ليمتلك الوقت للتأثير على الاخرين , وقديما اوصوا المارين بالواحات والذين يشربون من الابار الا يرموا فيها حجرا , على اعتبار انها على الطريق وربما تدور الايام فيعود من كدرها الى شرب الماء منها ولذا قالوا 🙁 من البير لو مي اشربت بالك تذب بيها حجر خافن تعود وتعتني ويجيبك اعليها القدر)لكن للاسف الحجر قد ألقي فكدر العلاقات بين الكتل السياسية الكبيرة من جديد, وهذا الحجر يخفي تحت جعبته الكثير من المستجدات التي ستغير كثيرا من الموازين، وربما يطول الامر ويعرض لتبقى مصلحة الشعب هي الاخيرة، وهو اخر من يعلم ؛ لقد نجحت الانتخابات نجاحا فائقا حتى اذهلت التجربة كثيرا من السياسيين والمسؤولين في دول اخرى , واعطى الشعب فيها ما يستطيع، فخرج برغم التهديدات والهاونات والمفخخات والضغط النفسي الكبير التي استخدمته بعض القوى، فكان لابد من ان يختار وقال كلمته, لكن هذا الامر لم يعجب الكثير من اللاعبين الذين يلعبون بالوضع السياسي العراقي، واقصد من الدول المجاورة بحجة مراعاة مصالحهم وان العراق بلد يتداخل معهم بأسباب عديدة منها اللغة والدين وامور اخرى، فكان ان ظهرت النوايا الحقيقية من قبل هؤلاء للتأثير على المنجز الديموقراطي بأساليب كانت معروفة ولم تكن غريبة على احد، حيث ابتدأت بالتشكيك وانتهت بإعادة العد والفرز، وربما نصل الى اعادة الانتخابات برمتها.
هواء فـي شبك: (عنزة ولو طارت)
نشر في: 28 إبريل, 2010: 07:10 م