علي حسينإحدى أبرز مشاكل النخب السياسية في العراق، أنها تدعي العمل ليل نهار لإقامة الدولة المدنية، بينما تقوض في تصرفاتها العملية كل الأركان الواجب الحفاظ عليها لمثل هذه الدولة المدنية، ولدي نموذج صارخ على هذه الازدواجية التي تعاني منها بعض النخب السياسية ، وتكاد تصل بها إلى حالة فصام في الشخصية.
فقد تابعت، مثل غيري، على صفحات الصحف بعض القرارات التي يصدرها عدد من مجالس المحافظات كان اخرها القرار الذي اصدره مجلس محافظة البصرة بإلغاء مهرجان الاغنية الريفية. حيث افاد مصدر في المهرجان بأن قرارا بالإلغاء صدر قبل ساعة من افتتاح المهرجان استجابة لضغوط من جهات حكومية .. ويبدو ان البصرة التي عانت من ظلم صدام لعقود طويلة حين حولها الى ساحة من سوح معاركه (الباسلة) ، لايريد لها البعض ممن تولوا امور البلاد والعباد ان تتنفس هواء الحرية، فقبل اشهر اصدر مجلس محافظتها الموقر قرارا بمنع بيع المشروبات الكحولية واغلاق النوادي والمحلات حفاظا على قيم الاسلام التي رفعها قبلهم (الرئيس المؤمن) حين اطلق حملته الايمانية للرد على الهجمة الامبريالية التي يقودها عبيد الكومبيوتر، ويبدو اننا لانزال نعيش اجواء الحملة الايمانية التي يصر العديد من السادة المسؤولين على اهميتها للمواطن وانها يمكن ان تعوضه عن انقطاع الكهرباء ونقص مواد البطاقة التموينية وانعدام الخدمات والاهم انها تحميه من شر المفخخات والاحزمة الناسفة التي عجزت الاجهزة الامنية عن الحد منها. ويبدو ان العراقيين ابتلوا بتسلط اولي الامر منهم ، فلعقود ماضية كان صدام يستخدم مصطلح خدمة الشعب، فإذا قتل الأبرياء، فهذا لمصلحة الشعب ومن أجله، وإذا ظلم ، فهذا باسم الشعب ومن أجله، فالظلم عنده هو قمة العدل، فنامت الناس على ظلم مستديم ، ولم يتبين للحرية أي خيط من نور. كان صدام ونظامه يختزل الشعب في هيئته، فهو وحده الذي يحس بنبض الناس ،ووصل الغرور بصدام الى حد جعله لايعرف ما إذا كانت الجماهير تسير خلفه لتهتف بحياته أم تتمنى رميه بالحجارة، اختلطت عليه الأصوات واهتز طرباً للصخب والضجيج.. في ايامنا هذه انتقلت (خدمة الشعب) والسهر على مصالحهم إلى بعض الساسة الجدد فتسمعهم ليل نهار يتغنون بكلمة اسمها الشعب، وان العناية الالهية اوكلت اليهم امر هذا الشعب ففي كل كلمة من كلامهم تقفز مفردة الشعب يريد التغيير .. الشعب يؤمن بقرارات مجالسه المحلية، الشعب يريد حكومة تقول له افعل هذا ولاتفعل ذاك، الشعب يبحث عن مسؤولين يأخذون بيده ينيرون له طريق الحقيقة، واصبحنا ننام ونصحو على كلمة الشعب وماذا يريد الشعب، واصبح الجميع يردد الاغنية الشهيرة (شعبي وأنا حرة فيه) على حد قول المطربة الشقراء. يتحدثون عن الشعب، والشعب منهم براء، ماذا يريد الشعب؟ ما هي همومه ومشاغله وقضاياه وآلامه ؟.. هل الشعب مشغول فعلاً بمعرفة اسم (محرم) السيدات اعضاء مجلس محافظة واسط، ام هل ان تجارة الحشيش التي انتشرت في مدن الجنوب بسرعة البرق حلال ام حرام ؟ لماذا انتقلت أمراض العقود الماضية إلي الساسة الجدد وكيف عرفوا أنهم لسان حال الشعب ونبض الشعب وعقل الشعب وضمير الشعب؟ ايها السادة قبل أن تتحدثوا بلسان الشعب، لابد أن تستمعوا للشعب، ولا يتحقق ذلك إلا بالنزول إلي الناس في الشوارع والقرى والنواحي وفي المناطق التي اصابها زلزلال الارهاب ، هناك فقط ستسمعون صوت الشعب. اما الشعب الذي تتحدثون عنه فهو شعب من كوكب آخر، تفترضون أنه لا ينام الليل من أجل تطبيق شعار الحمله الايمانية. الساده اعضاء مجلس محافظة البصرة ومعكم اخوة اعزاء في مجالس محافظات اخرى اتمنى عليكم ان ترفعوا الاقنعة عن وجوهكم وتعرفوا ماذا يريد الشعب وتؤمنوا بان العراقيين تجاوزوا سن الوصاية وهم احرار في دينهم ودنياهم والاهم ان تدركوا ان الشعب يحتاج التنمية والاستقرار.. الخبز والحرية.. والمسكن والعمل.. أما الشعب الذي تريدون خنقه بقرارات جائرة فقد خرج ولم يعد منذ ان سقط تمثال قائد الجمع المؤمن في ساحة الفردوس.
فــــارزة :تحياتي إلى مجلس محافظة البصرة وما جاوره
نشر في: 1 مايو, 2010: 04:17 م