TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > مصائر الكتب .. أين اختفت مكتباتهم؟

مصائر الكتب .. أين اختفت مكتباتهم؟

نشر في: 1 مايو, 2010: 04:38 م

رشيد الخيون كانت المكتبة أول هدف للشرطة السرية بالعراق، فما أن يُعتقل الباحث أو الكاتب، إلا وبعثرت مكتبته بحثاً عن كتاب ممنوع. وكان الأهالي يخفون كتب أحبائهم من المعتقلين بطرق شتى، كدفنها تحت الأرض، أو نقلها إلى جار مؤتمن. وآخرون كانوا يقطعون رأس البلية، الكتاب، بحرقه أو إتلافه بطريقة ما. وما أكثر كنوز، لا صلة لها بالسياسة، أتلفتها أمهات لا يقرأن ولا يكتبن، ويتخيلن كل كتاب مصيبة.
 وكل مثقف، عاند السلطة، أو تجرأ على عدم مسايرتها، قصة مع مكتبته داخل العراق، ناهيك عن حياة الترحال التي عاشها المنفيون منهم، وما يتعلق بتأسيس المكتبات، ثم لا يحمل منها أكثر من عشرين كليوغراماً، وهو الوزن المسموح به في الطيارات، حين يغادر إلى مناف وملاجئ أخرى، وما أكثرها.مَنْ بحث في كتاب «العراق بين احتلالين» لعباس العزاوي (ت 1971)، سيقدر عدد المصادر التي استخدمها هذا المؤرخ، وسيتعاطف مع أحزانه، وهو على فراش الموت، على مصير مكتبته العامرة، وقلق ابنته على ذخيرة والدها. وكذلك الحال بالنسبة للأب ماري انستاس الكرملي (ت 1947). كان مصير مكتبة العزاوي، حسب ما نقله لي الأديب مير بصري (ت 2006)، أنه شاهد عمالا يرمون بالكتب من الشبابيك إلى بطن سيارة مكشوفة، وكأنهم يرمون بطابوق. أما مكتبة الأب الكرملي، فقد حشرت في مكتبة الموصل، وتفرقت شذر مذر، من دون أن يحفظ اسمه عليها، ومعلوم ما كان فيها من نفائس الأثر. وللعلم أن نشأة المكتبة الوطنية العراقية كانت فضلاً من أفضال هذا العالم، إذ تبنى نشأتها العام 1922، وبدأت تحت اسم مكتبة السلام، ثم نقلت محتوياتها لتأخذ اسم المكتبة العامة، ثم المكتبة الوطنية (1961)، وأُلحقت بوزارة الثقافة والإرشاد (قزانجي، المكتبات في العراق).أتذكر عندما صحبني الأديب سالم الدباغ (توفي منتصف الثمانينيات)، وكنت أحد تلاميذه، إلى بيت الأديب واللغوي هاشم الطعان (ت 1980) هالني عدم رؤية جدار في الدار، فقد غُلفت بالمجلدات، وتكوم بعضها على الروازين، وتحت السلالم. وما زاد دهشتي، أنه كان ينوي شراء مكتبة أحد المتوفين من العلماء!. وسألت هيثم نجل الطعان عن مصير مكتبة والده، فقال بحسرة كبيرة إنه بعد وفاة والده، واعتقاله، ثم إطلاق سراحه، من دون إكمال مدة الحكم 25 عاماً، جاءه الأديب ماجد العزي، وكان بعثياً، وعلى صلة جيدة بوالده، واقترح عليه بيعها إلى جامعة بغداد. لكن الجامعة رفضت شرطه، وهو أن تخزن تحت اسم صاحبها.ثم أعاد عليه الكرة واقترح بيعها إلى جامعة الكوفة، التي قبلت بالشرط. وسريعاً حُملت الكتب باللوريات تحت نظرات أفراد الأسرة الحزينة، ففي كل كتاب لفقيدهم لمسة من يده وخفقة من روحه، وقد جمعها، رغم العوز، كتاباً كتاباً. ولما ذهب هيثم إلى جامعة الكوفة لاستحصال ثمن المكتبة، وهو لايزيد على ما يُقابل أربعمائة دولار، كانت المفاجأة أن الكتب «فرهدت» قبل دخولها إلى الجامعة، وقسمت بين الأساتذة والمسؤولين، ولم يبق منها غير كتيبات، وليس هناك اسم لصاحبها ولا يحزنون. والأنكى من هذا لم يتمكن من استحصال المبلغ، وقد أنسل ماجد العزي من العملية برمتها. هذه باختصار قصة إحدى مكتبات أدباء ومثقفي العراق في الداخل.كان الراحل مير بصري حزيناً على مصير مكتبته، خائفاً أن تلاقي مصير مكتبة العزاوي، وأن يزال اسمه من على كتبه مثلما أزيل اسم الكرملي. مازالت مكتبة بصري بداره بلندن. عائلته لم تفعل شيئاً بها، إلا إنها ما تزال بعيدة عن بغداد، وكانت نيته أن تكون هناك. ومن ثمرات مكتبة بصري كتبه في طبقات المجتمع العراق «أعلام السياسة في العراق الحديث»، «أعلام الأدب في العراق الحديث»، «أعلام التركمان.. »، «أعلام الكرد.. » وغيرها.يعيش المعاناة نفسها المعماري محمد مكية، ، بعد أن أُغلق ديوان الكوفة، ووجدت مكتبته طريقها إلى الخزن، في مخازن باردة، وكان يمر بها يومياً ملامساً ورامقاً صفوفها، وفيها كتب تعود الى القرن السابع عشر. وما زال ينتظر نقلها إلى بغداد أيضاً. لكن بغداد، وقبل ثلاثة عقود، لاهية عن الكتاب بعذابها، وليست هناك جهة تؤمن الكتب إلى مستقرها في القسم المعماري الذي أسسه (1959)، ووعد فيها أحفاده وحفيداته من المعماريين عند زيارته الاخيرة لبغداد عام 2004. بدأ مكية بجمعها منذ الأربعينيات، وأخذ يستخدمها كذخيرة، تصاحبها مكتبة من المخطوطات العربية والفارسية، ومجموعة نادرة من اللوحات الفنية لكبار الفنانين العراقيين.ووجدت وزير المال الأسبق عبد الكريم الأزري، ( ت2010) محتضناً مكتبته الشخصية كالأب، معتنياً بها كل العناية. ويحاول من أول وهلة إشعارك أنه لا يعير كتاباً، ويرمقك بنظرة اعتراض وأنت تتصفحه، وكأنه ما صُنف إلا له.فيها الكثير من الكتب النادرة، المعروضة بتبويب مكتبي سليم، وبنظام مريح للباحث. إنها تحتل أكثر من غرفة من داره، ولا ينوي أن يهديها أو يوصي بها، وذلك لشدة تعلقه بها، فبفضلها صدرت له عدة مؤلفات خاصة بالتاريخ السياسي العراقي، إلا أنه ربما أكثر حظاً من غيره، فلديه ولده حيدر مولع بالكتب، لديه مكتبته الخاصة، بعد أن نشأ نشأة طويلة بالعراق. أما زميله وزير الزراعة الأسبق عبد الغني الدلي، ، فما زال يبحث عن طريقة لحفظ ما في حوزته من كتب، لعله يتمكن من ضم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram