بغداد/محمد الذهبيلم يكن هدير قد انطلق بعد في مداعبة آماله العريضة من انه سيكمل كلية الهندسة وبعدها يفوز بالاقتران من حبيبته ، ولم يكد يطلق لخياله العنان في ان الاربع سنوات التي سيقضيها في جامعة الموصل ستكون اجمل سني العمر كما يقولون ، بدأت الشاحنة تسير باتجاه الجامعة آتية من شمال الموصل ، وبدأ معها صوت فيروز باغاني الصباح الجميلة (ياريتك حبيبي) ،
وبدأ مجموعة من الطلاب كورود الصباح المتفتحة ينسجمون مع فيروز بمشاعر جميلة مليئة بالامل والحياة ، وهو من بينهم كان يداعب خصلات شعره الهابطة على عينيه، وهو يستفرد بأمانيه حيث يشبعها تأملا وتفكيرا ، في كل يوم كان ينتبه إلى صوت احد اصدقائه (هدير وصلنه ، اكعد يمعود) ، وهو يناغي امنياته العذاب ، ساعبر السنين الاربع وساتسلم مرتبي الاول ، وسافعل كذا وكذا ، يتمنى وكأنه يمتلك ثلاثة ارباع الدنيا ، ومن حقه فهو وسيم وذكي وفي مقتبل العمر ، ساكون عائلة وسابقى في نينوى رغم انوف الكثيرين ، فهي مدينتي ومدينة آبائي واجدادي، لن اعبر الحدود واترك ذكرياتي خلف ظهري تؤلمني وتبعث في روحي السواد والاستسلام ، وهو منسجم مع امانيه العريضة والتي تمتلئ بحماسة الشباب ووهجهم ونورهم المشع ، واذا بصوت حاقد اعمى يهز الحافلة، انه انفجار قوي هز الشاحنة التي كانت تستقلها المجموعة، حيث افاد مصدر امني مسؤول في شرطة محافظة نينوى، امس الاحد ان (11) طالباً جامعياً مسيحياً اصيبوا بجروح جراء تفجير عبوتين استهدفتا حافلتين لنقل الطلبة شمال الموصل ، واكد المصدر ان الحصيلة قابلة للزيادة بسبب شدة الاصابات .واوضح المصدر بحسب مااوردته (السومرية نيوز ) ان عبوتين ناسفتين كانتا موضوعتين على جانب الطريق بمنطقة كوك جلي انفجرتا على حافلتين تقلان طلابا مسيحيين كانوا متوجهين الى جامعة الموصل.كان هدير قريبا من فرصة الذهاب الى لبنان حيث تقاطر عدد كبير من المسيحيين العراقيين عليها، حيث ملأ المصلون الكنائس في بيروت الشرقية، لكنه اصر على البقاء واقنع والديه بذلك، كان يكرر دائما يجب ان احقق ذاتي في وطني ، ومع وجود التهديدات واعمال القتل التي تعرض لها المسيحيون ، بقي هدير صلبا ومتجذرا في الارض، كان حين يشم الهواء في اول لفحة تصادفه يفتح النافذة ويردد: لن ادع هذا النسيم ، ولن اغادر هذه الارض المعطاء، امن اجل تهديدات عقيمة امسح تاريخي، ولم يقف عند هذا فقد ابتسم عدة مرات وهو في طريقه الى المستشفى في سيارة الاسعاف التي هرعت لنقل الجرحى، ردد بصوت مسموع ليطمئن الاخرين: لاشيء الاصابة بسيطة في حين علا العويل والصراخ منطقة الحادث وكانت مذبحة حقيقية؛ مساطر التيسكوير، والكتب ولوحات الرسم الهندسي واللفكسات الجامعية المليئة بصور المطربين ، تمزقت تحت اقدام المنقذين والمسعفين الذين هرعوا لمساعدة هؤلاء الطلاب ، كانوا جميعهم يدافعون عن الحياة بطرق عديدة منها العناد ومنها التمسك بالارض ومنها الابتسامة ، لم يكن بعد قد قطع منتصف المسافة ليصل الى امنيته الاخيرة، لكنه برغم صغر عمره رجل خبر الحياة ولم يكن طالبا في الصف الاول كلية ، نظراته الحادة وتجاهله للرعب الذي سيطر على قلوب الكثيرين، مع اصابته تمالك نفسه وحاول اخلاء الاخرين لحين وصول الاسعاف، كان ممددا على النقالة وهو يصيح ، لن اغادر الموصل ولو زرعت جميعها عبوات ناسفة، اريد ان اكون مهندسا وليفعل الاجرام مايفعل، انها ارضي وهي بعد حدائق طفولتي ومغاني حبي الاول، لن اقطع الطريق نصفين لاستسلم في منتصفه، لم يبال فريق الانقاذ لدمعة سقطت من عيني رجل مسن كان ينظر بتمعن الى الاحداث وهو يردد كم هو الفرق بين من يعطي الحياة ومن يسلبها ويحاربها، قال له احدهم ان الحياة قصيرة ولا تساوي الحزن عليها فرد الرجل: بل الحياة طويلة وتعادل عدة مرات الحزن عليها فهي مستمرة وغير منقطعة، واردف صدقني ان الموت لايفعل شيئا ولن يستطيع مصادرة الحياة هي خالدة وباقية بهؤلاء الشباب واشار الى احد عشر طالبا كانوا حصة العبوات الناسفة يوم الاحد ، وفرح المجرمون انهم حاولوا قطع ورود العراق ومحاربة العلم والتطور والمدنية.
أحلام طالب جامعي
نشر في: 2 مايو, 2010: 08:19 م