فاضل ضامدفي معرض الخزف للفنان عقيل مزعل وجدت استذكاراً- كما أسمى معرضه- حفر بكل الأصابع كي يسجل ذاكرة محلية أوقدتها ثقافته لتتناقل عبر نوافذ المستقبل، ذاكرة محلية جادة وحقيقية لا تخلو أبداً من صورة الشارع والزقاق والبيئة والنخيل والقباب والمنائر الذهبية والفيروزي وألوان التراب، بحلاوة اللون الشرقي الذي ارتبط بدفء الشمس واختزاله ليلتحف أعماله من كل جانب،
انحسرت أشكاله التوأم بين المكعب ومتوازي المستطيلات مجسداً الفكر الرياضي والفلسفي فأسراره جميعها على جدران على أشكالها المختلفة أثرت المتلقي بوعي حقيقي نحو التعرف على أدوات البيئة ورموزها.الطين الطيب الذي تحول عبر النار الى جلمود حمل العناصر الثلاثة الأزلية للحياة: الماء والتراب والنار أضاف إليها الفنان عنصره الرابع اللون، مجسداً من وحي سلالته وأسلافه نظرية فلسفية ضمنها أشكالاً من مسلة حمورابي وبوابة عشتار وبرج بابل و آشوريات وبابليات والى آخره من جعبة الموروثات المتتالية مرورا بالزخرفة الإسلامية حتى الشناشيل والبيوتات القديمة التي أثرت الفنان العراقي بمواضيعه للخطاب الفني. لا يخفى علينا أن الموروثات هي جينات تتوالد عند خيال الفنان حصراً من بيئته المرتبط بها وهي الحاضنة الرئيسية لأفكاره لتبقيه يناور بها بين عمل وآخر.(مزعل) فنان احترف مهمة الطين لجعله ينطق معاني طالما أرقته واكتنزت في محاور الخيال الذاتي ليصبها بلهب الأفران ويحرقها وهو يعلم ان الحرق لا ينتج غير الرماد ولكنه مكنها حتى لا تلتهمها لتخرج سالمة، استراحته من تلك المواضيع تنصب على اشكال نحتية خرجت عن ألأشكال المنتظمة وهي دعوة لإيضاح قدرة الفنان على الاختلاف والتنوع، أشكال انتزعت من الواقع المرئي على ان مهمتها استذكار النوازع البشرية المهمشة.وللسيراميك محطات كثيرة وتاريخ عميق فحاجة الانسان الملحة للأدوات استطاع ان يكشف أسرار الطبيعة وعلاقتها، فالطين والنار أوجدا الفخار وبذكاء حول هذا المخلوق تلك الهبة الى المخلوقات وفرت عليه بعض الجدب الطبيعي وقصوره في التعامل مع الأشياء، وأضاف هذا المبدع جعل تلك الأدوات حاجة موضوعية وجمالية، فوظفها مختزلاً المبالغة في الشكل وهو بذلك حقق خصوصية للشكل المنتج عنده محملاً إياه طاقات تعبيرية ذاتية. هذا الخلق عنده امتد الى غير الاعتيادي مغربا مشاكسا واقعه نحو مسخ الأصل والابتعاد عن التشابه مستنداً الى عالم الإيقونة والرمز من وحي خياله أو من مرجعيات أسلافه.توتر بين رحى النار وزجاج مسحوق ومعالجات تتكرر عدة مرات تصبب لها الجبين عرقا واحتمالات الخسارة فلا أمان للنار آمان،الفنان عقيل مزعل بكل طاقته يشد حباله ليسطر على تلك المختلفات ليخرج الكائن الناطق بالجمال، ذلك الكم والنوع الذي قدمه عقيل مزعل يستحق الإعجاب لما لمعرضه من أهمية بالغة في خصوصية العرض الذي قدمه بعد انقطاع هكذا عروض في المحافظة، ولم تخل المحافظة من عرض للسيراميك ولكنها كانت أقرب الى الشعبيات من التكوينات الحرة والخيارات الفكرية والحسية.اللون المصدر الإيحائي لمعالجات نفسية فرضها الفنان على تلك الكتل، استطاع أن يوفق بين ألوانه مضمنا التضاد والهرموني والتجانس والاحتواء، أكاديمية الفنون قدمت لهذا الفنان التعرف على طبيعة الألوان وتعاملها مع النار من أكسدة وتزجيج وطلاء، هو امتداد لشنيار عبد الله وطارق إبراهيم وسعد شاكر وسهام السعودي وفالنتينوس وآخرين ممن تعلم منهم اطلع على تجاربهم، في اعتقادي ان ما قدمه عقيل مزعل هو سلسلة مترابطة غايتها الاستمرار.لم يخل المعرض من بعض المباشرة والسذاجة في المعروضات ربما كان السبب الرئيسي هو قلة التكنولوجيا لدينا وعدم توفر الخامات الحقيقية من المادة الرئيسة للألوان والطين الجيد والأدوات والآلات والأفران وحتى الكهرباء ما سبب بعضا من الإرباك في النتاج الفني.
في معرض الخزف للفنان عقيل مزعل..العناصرالثلاثةالأزلية للحياة، الماءوالتراب والنار
نشر في: 4 مايو, 2010: 05:20 م