TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فـي وصف القتلة.. فـي قتل همنغواي

فـي وصف القتلة.. فـي قتل همنغواي

نشر في: 5 مايو, 2010: 05:08 م

نجم واليأولهم، مربوع الجسم، ثخين الرقبة، سميك الشارب، لم يضف اللون الأسود الذي صبغه به مع شعر رأسه، عليه شباباً أو حيوية، على العكس، ولا حاجة للمرء لأن يتطلع به طويلاً، ليكتشف فيه النسخة الأصيلة من سحنة سفاح قديم ومتمرس خبرنا الموت على يديه؛ ثانيهم خبيث الشكل، عجوز لبس نظارات طبية، ضخم الجثة، كرشه الذي خرج من بدلته الرخيصة جعله يبدو مضحكاً في الصورة؛
 ثالثهم ضخم الجثة أيضاً، في منتصف خريف عمره أصلع قليلاً، لبس نظارات طبية، ضحكته الخبيثة لم تستطع تغطية لا أسنانه الرثة ولا فمه المتراخي؛ رابعهم صحيح أنه أقل سمنة من الأول، لكن آثار الرخاء والراحة والعطالة بانت على وجهه بوضوح، أما شاربه وشعر رأسه اللذان إحتفظا ببقايا صبغ أسود قديم، لم يستطيعا التغطية على هيئته التي بدت أقرب لشخصية متصنعة في كل حركة، رغم أنه أراد بالتأكيد عن طريق تركهما دون صبغ في ذلك اليوم أن يمنح شخصيته بعض الوقار، بعض المصداقية، فتلك هي عيناه تبثان شرراً قادماً سيكون أكثر خطورة ودموية مما كان عليه حتى اليوم؛ خامسهم، قصير القامة، رأسه الصغير تحول كله إلى صلعة، نظارته الطبية السميكة لم تساعده بالنظر بعيداً عن أرنبة أنفه المفلطح، أو كرشه الذي لم يضف إلى شخصيته الوقار، صحيح أن نظارته تلك حجبت عنا رؤية عينيه، لكن يكفي النظر إليه بكليته، أو على الأقل لبطنه التي ترهلت كثيراً، لشاربه الكثّ الجديد الذي أراد عن طريق إطلاقه له تقليد الأول أو تقليد سيد له قديم، ليكتشف المرء كيف أن الكائن الغريب هذا الذي لا علاقة له بجنس وأنس، بدا بقامته التي تراوح طولها بين المتر وخمسة وخمسين سنتمتراً وببدلته التي أراد أن يبدو بها أنيقاً، أقرب إلى طرطور، أو إلى مسخ "أليَن" قادم من أزمنة غابرة، عصور سحيقة دخلت في طيّ النسيان.لكن الأكثر غرابة في الأمر، هو أن الخمسة هؤلاء، مهما إختلفوا في كمية صبغ الشعر والشارب، في السمنة أو في الصلعة، في االقصر أو في الطول،  في طريقتهم بالحديث أو في إطلاقهم الوعيد، فإنهم إجتمعوا في أمر واحد وحسب، إجتمعوا في سحنتهم الصفراء، وبالتأكيد هو فقر الدم التاريخي هذا فيهم، الذي صنع منهم عطشى أبديين لمصّ الدماء، لا ينفعهم تغطية وجوههم بالمساحيق الرخيصة في هذه المناسبة أو تلك، لأنهم ما أن يفتحوا أفواههم ثانية واحدة، حتى تبين أسنانهم المنخورة التي تحولت إلى أنياب، كأنهم أرادوا منافسة كل دراكولات التاريخ، عطشهم للدم لا يُروى، وكلما رأوا دماً مسفوحاً، كلما زاد النهم فيهم لمجازر قتل جديدة، لا يستطيعون النوم، إلا بعد  سماع صراخ ضحاياهم، فراشهم الذي ينامون عليه محشو بالجثث، أغطيتهم التي يتدثرون بها جلود بشر، مخداتهم التي يريحون رؤوسهم عليها، جماجم وبقايا عظام، وفي الصباح لا يفيقون إلا على منظر جثة تُقدم لهم على طبق مغطى بالدم، فطارهم أحشاء بشرية، شرابهم عصير دماء، وخبزهم طحين عظام أطفال، ذلك هو طقسهم اليومي، البشرية تحتفي بالنهار ما أن تبدأ الشمس بعملها، أما هم فيحتفون بالنهار ما أن تبدأ ماكنة الموت بعملها اليومي بالقتل، مع أول قتيل أو جثة، طفلاً كان أو عجوزا، رجلاً كان أم إمرأة، حيواناً كان أم جماد، المهم أن هناك قتلى لا يُحصون ودماء تسيح في البالوعات، فقط بهذا الشكل يشعر هؤلاء بالراحة، يسترخون في بيوتهم، يراقبون جهاز التلفاز، في أيديهم أجهزة ريموتير، يدورون من محطة إلى أخرى، ويمكن أن تطول جلستهم وتطول، فها هم ضمنوا وجبات غذائهم في ذلك اليوم، البشرية تأكل يومياً ثلاث وجبات على أقل  تقدير، أما قتلتنا هؤلاء، فمن الصعب عليهم أن يشبعوا، ولو تُرك الأمر إليهم، لأفترسوا ضحاياهم كل ثانية، للعقوا البالوعات، ولكن ما العمل؟ في بعض الأيام تهرب ضحاياهم منهم، رغم  كل الكمائن التي أعدوها لهم، رغم كل المفخخات وخبراء التفجير القادمين من كل حدب وصوب، وفي تلك الأيام فقط، في تلك الأيام التي يشح فيها القتل، يغادر قتلتنا هؤلاء بيوتهم المحصنة بجثث الآخرين، يتركون مكاتبهم العفنة، المزينة بأعضاء بشرية، يدورورن مثل ذئاب مفترسة، لعابهم يسيل، يمكن شمّ رائحته في كل مكان، وعندما يطول البحث بهم، عندما لا يعثرون على ضحية بعد الآن، يفكرون في كيفية خروجهم من الورطة، فيقررون تنظيم لقاءٍ لهم، مهرجان ضخم، عرس للدم، لابد لهم من البحث بالأمر، من التخطيط سوية للقتل، لتقاسم غنائهم من الموتى، ولا بأس أن يطلقلوا على مهرجانهم هذا "أول مهرجان علني للمقاومة العراقية" (كما سمته الصحيفة الناطقة بإسمهم، صحيفة عراقية تصدر في لندن: "أول مهرجان للمقاومة العراقية")، مصاصو الدماء التاريخيون يصمتون عادة في مناسبات مثل هذه، يكتفون برقصة الموت، لا يُسمع لهم إلا الفحيح، أما مصاصو دمائنا هؤلاء فمن الصعب عليهم غلق أفواهم الشرهة، ذلك هو ديدينهم، التكشير عن أنيابهم المتآكلة التي يعالجونها عن طريق أكل اللحوم البشرية ومصّ الدماء، يطلقون تهديدات ووعيد، الويل لكل ضحية نجت بجلدها منهم:أولهم الذي يحمل لقب أمين سر حزب البعث/قيادة قطر العراق، قال أنهم لم يختاروا يوم إحتفالهم عبثاً، "أنها مناسبة عزيزة على قلوبنا"، وهو يقصد مناسبة عيد ميلاد نسخته الأصلية، مصاصّ الدم الأول، صدام حسين، ثانيهم الذي حمل لق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram