د. فاضل سوداني غيب الموت الفنان جعفر السعدي بعد عمر عاش فيه ازدهار وخراب المسرح العراقي وكان من الاوائل الذين ركنوا في البيت في عهد النظام السابق من اجل الا يفقدوا جذوة المسرح في روحهم ولا يساوموا على نقائهم وفنهم.
مات الفنان وهو يختزن العراق في روحه، واضطره هذا الى ان يبتعد عن فنه ( الذي كان منفاه) مجبرا لان المسرح الذي كان يعرفه وتربى عليه غير المسرح الذي خطط له في عهد النظام السابق، وايضا ليبتعد عن ( زوار الليل)، لكنه في كل هذا كان يختزنه في روحه وينظره من بعيد من زاويته التي اختارها بإرادة منه وهو حزين. مات عميد المسرحيين العراقيين بعد موت زوجته الفنانة ماجدة السعدي بفترة قليلة، بعد ان اطلقت وزارة الثقافة العراقية على الدورة الاولى لمؤتمر الثقافة العراقية اسم جعفر السعدي تكريما له. ولحرصه على حضور المؤتمر الذي شهد وفاته وهو جالس وسط حشد من المثقفين يشاهد فقرات حفل الافتتاح.. يا الهي هل كنا على غفلة ؟؟ هل كان هذا مزحة القدر او الموت ليستفزنا ويمتحن قدرة الفنان على تحمل حياة موحشة يكتظ بها الجنون والحرب واليتامى ومو ت الاعزة، موت شريكة حياته وتلميذته التي اعتلت المسرح في زمن كان يحرم فيه الفن. لكنه كان دائما ذلك الفنان الابي الذي يتسامى علينا جميعا وعلى احزانه الخاصة. ومنذ بداياته الفنية الاولى كان هدفه واضحا هو ان يساهم في تاسيس المسرح العراقي، فكان هو ومجموعة اخرى من الطلبة الهواة انذاك يقدمون مسرحياتهم في المدارس، يؤجرون التخوت من المقاهي ليجلسوا الجمهور عليها، ومن اجل دعم جمعية بيوت الامة الخيرية، اسس فرقة مسرحية لتقديم اعمال مثل مسرحية (نهر الجنون) لتوفيق الحكيم، ومسرحية اخرى باسم (وفاء). كان احد المؤسسين للفرقة الشعبية للتمثيل عام 1948 ومن خلالها قدمت الكثير من الاعمال المسرحية بالتعاون مع ابراهيم جلال وعبد الجبار ولي وخليل شوقي اهمها مسرحية شهداء الوطنية. وكان له الفضل الاول في تاسيس فرقة المسرح الشعبي وكان رئيسها حتى اخر لحظات حياته، وعندما تغضب عليها السلطات في مختلف العهود لجرأة ما تقدمه من مسرحيات ذات نمط سياسي معين، كان هو حريصا على اعادة تشكيلها من جديد.في حياته الفنية عمل الفنان السعدي في السينما وفي اول فيلم عراقي هو (عليا وعصام)، وايضا في فيلم (سعيد افندي). وكانت له ادوار مهمة في المسلسلات التلفزيونية والتي جعلت منه فنانا لايمكن ان ينساه الجمهور كما هو الحال في مسلسل ( الذئب، النسر وعيون المدينة ) عندما مثل شخصيته المهمة عبد الله السلمان.انه المربي الفاضل والنزيه دائما مع الممثلين الذين يعمل معهم، والطلبة الذين يدرسهم وبروحه الابوية يقدم كل مايمتلكه من ثقافة وخبرة. وعندما اسند لي دور البطولة في مسرحية (عرس الدم) للوركا وكنت انذاك طالبا في اكاديمية الفنون الجميلة، تاخرت عن التمرين نصف ساعة، لم يقل شيئا لكنه خارج التمرين لم يكلمني مدة طويلة، فاضطررت الى ان اهدي له في احد الايام زهرة حمراء. وفي سنوات النظام السابق عزل من قبل المؤسسات الثقافية والفنية، واسندت له احيانا بعض المناصب الادارية فقط من دون ان يقرر او يضع برامجها ونشاطاتها كادارته للمسرح الوطني. لكنه فضل الاعتكاف في بيته مانعا نفسه من المساهمة باي عمل مسرحي يخدم اهداف النظام السابق وازلامه. لكنه كرم في العديد من المهرجانات المسرحية العربية.في عام 1976 وكنت اتهيأ للسفر لدراسة المسرح بعيدا عن بعثات الدولة، التقيته مصادفة وشعرت بهاجس يدعوني ان اخبره بسفري بالرغم من سرية الامر انذاك، قال لي إذهب وتعال سريعا فالمسرح العراقي بحاجة الى دماء شابة. ومن حينها لم اعد الى العراق ولم التق به بالرغم من انني كنت امني النفس بذلك.مات الفنان حزينا إلا انه كان متفائلا ، ففي احد تصريحاته الاخيرة يقول ( نعيش اليوم في وضع مأساوي؛ حيث الانفلات الأمني والفوضى والخراب، ومن المؤكد أن مثل هذا المناخ لا يمكن أن يساعد على توفير العمل، وخاصة في مجال المسرح أو السينما أو التلفزيون؛ لذا فليس غريبا أن تجد عشرات الفنانين ينتظرون تحت أشعة الشمس يبحثون عن عمل يسدون به رمق عوائلهم، وبرغم أن الكثير من الفنانين يشعرون باليأس فإنني متفائل بأن المستقبل سيكون أفضل بعون الله، ولا بد للمسرح الجاد والملتزم أن يجد طريقه إلى الناس بعد أن تزول هذه الغمة عن هذه الأمة». )مات جعفر السعدي لكنه ترك هو وزميله الفنان ابراهيم جلال معطفيهما الحريريين في ظلمة المسرح العراقي الانية مثل قدر سيلاحقنا في المستقبل من اجل بناء مسرح عراقي يستحقه العراقيون. rn
شيخ المسرحيين .. الفنان جعفر السعدي
نشر في: 5 مايو, 2010: 05:19 م