حازم مبيضين تثير الضجة التي يفتعلها البعض حول قرار بعض الحكومات الغربية بمنع الحجاب والنقاب الكثير من المسائل يتعلق بعضها بالفهم الخاطئ لفكرة الججاب في الاسلام، وقد اندلعت نقاشات صاخبة قبل حوالي المائة عام، عندما طالب قاسم أمين بحق المرأة في السفور
كجزء من احترام إنسانيتها، وبعدما نوقشت في السوربون أوائل القرن الماضي أطروحة الدكتوراه المقدمة من منصور فهمي، والتي فصل فيها التاريخ الاجتماعي للحجاب، الذي اختلف المفسرون في نظرتهم إليه وفي فهمهم للنص القرآني. نأخذ من اختلاف المفسرين، الرأى القائل إن المجتمع النسوي في عهد الرسول عليه السلام كان محتشماً، ولم يكن منقباً، وإن لم يخل من منقبات اعتبرن شذوذاً عن الوضع العام، ويستذكر هؤلاء أن أم المؤمنين خديجة كانت أول من اعتنق الدين الجديد الذي كانت سمية بنت عمار أول من قضت نحبها تحت التعذيب من أجله، مثلما يستذكرون مشاركة النساء في النضال السري والهجرة والعمل الحرفي، وحتى كمقاتلات وممرضات للمقاتلين.تاريخياً استهدف التوجه الواضح في فرض الحجاب إبراز التفاوت بين الحرة والأمة، والمسلمة وغير المسلمة، ولم يكن خوفاً من الفتنة، وكانت برزت خلافات في موقف الصحابة بين لين ومتشدد، وكان للحجاب من بعد أن يتحول إلى وسيلة لعزل المرأة العربية باسم الدين، بعد أن صار في كل بيت عربي امرأة غير عربية من الإماء والسبايا، وأدى ذلك الى تغييب الهوية الشخصية للمرأة بتعميم النقاب على أوساط واسعة في المجتمع.تختلف دوافع وضع الحجاب اليوم تبعاً للمكان ولدور المرأة، ويعني ذلك ضرورة تناول الموضوع بشكل مختلف، بين بلد أغلبيته مسلمة وبلد الأغلبية فيه غير مسلمة، وتبعاً لعمر المحجبة، وفهم إن كان ذلك قراراً ذاتياً ينم عن قناعة بالموضوع، أو استجابة لضغوط وأوامر العائلة، وما إذا كان الأمر يتعلق بالحجاب أو النقاب الذي يبدو في المجتمعات الغربية غريباً ومستهجناً وخارجاً على المألوف ومنطق الأشياء، حيث يبدو عصياً على الفهم تغييب الوجه خلف النقاب مع أنه مقوم أساسي من مقومات الهوية الشخصية، مثلما يبدو محرجاً للفتيات المسلمات اللواتي نشأن في الغرب ويعتبرن المبالغة في بعض المظاهر زيادة في القطيعة مع مجتمعهن.منع الحجاب لا يختلف عن منع السفور، لان الاثنين يعنيان انتهاك حق المرأة في جسدها، وأسلوب تعاملها معه دون أي ضغوط خارجية، لكننا نعرف أيضاً أن للجغرافيا سطوة تمنع التعامل مع الموضوع بنفس الطريقة، فالاختلاف واضح بين مكة ولندن وبين جنوب الاردن وشمال السويد، ولعل المرأة المسلمة التي تعيش في الغرب تعرف أكثر من غيرها أن تغييب هويتها وراء النقاب ليس من العقيدة الإسلامية، وتعرف أن التعايش مع الآخر لا يمكن أن يتم إيجابيا دون التخلي عن جزء من الذات، وبهدف التاثير والتأثر بالمجتمع الجديد.الحجة التي يسوقها المناوئون لمنع الحجاب والنقاب في الدول الغربية، هي معاداة الإسلام، وأن الهدف الحقيقي هو منع انتشار الدين الحنيف في العالم الغربي، والحجة التي تسوقها الحكومات الغربية هي أن إخفاء الوجه خلف النقاب يطمس هوية من يقوم بذلك، في بلدان يتفلت فيها الإرهاب باسم الإسلام في تلك الدول، وهو مستعد لاستغلال المرأة في عملياته الانتحارية، وأن النقاب والحجاب يثيران مشاعر البعض في دول يدين معظم أبنائها الأصليين بالمسيحية ، وبين الحجتين تظل الحقيقة قائمة وصارخة، مفادها أن على رافعي عقيرتهم برفض القوانين الغربية أن يتركوا للنساء اللواتي يعشن في تلك المجتمعات التعامل مع الموضوع بما تقتضيه حالتهن وظروفهن، وأن يتعظوا بموقف مسلمي سويسرا بعد منع بناء المآذن فيها، وهو موقف عاقل ناشد مسلمي العالم تركهم لمعالجة الموقف على خلفية فهمهم لمجتمعهم، وأن يكفوا عن بيعنا خطباً وشعارات تضر بمسلمات العالم الغربي أكثر من ما تفيدهن.
خارج الحدود ..حجاب المسلمات في الغرب
نشر في: 10 مايو, 2010: 06:33 م