TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > رجــل العـواطـف

رجــل العـواطـف

نشر في: 11 مايو, 2010: 04:21 م

فريدة النقاشيواصل القاص والروائي المبدع (عبده جبير) طريقته الفريدة في الكتابة التجريبية ذات الجمل القصيرة المنفصلة التي لا تتضمن سببية ولا تراتبية وتعكس منطقا مغايرا للسائد والمتوقع وهو ما يسميه النقد بالنزعة الإيمائية، وتتعزز هذه السمات في كل عمل جديد يقدمه
 وفي آخر أعماله المجموعة القصصية (رجل العواطف يمشي علي الحافة) التي صدرت مؤخرا عن دار (ملامح) وتضم أربعاً وعشرين قصة يبحث فيها بطل عن السبب الذي يجعل بدايات القصص في الحياة بدايات ساخنة لكنه ليس بالضرورة أن تكون كذلك في القصص المكتوبة وهي في الحياة تبرد بمرور الوقت ويصيبها الملل، لكنها من القصص المكتوبة والتي تتحول إلى أفلام تعرض في السينما غالبا ما تستمر بنفس السخونة، وكأننا أمام دور الفن وبعض وظائفه حين يقدم لنا قطعة من الحياة الافتراضية ويعيد تركيبها لتصبح كيانا حيا ملموسا يعيش حياته إلي الأبد عبر قوانينه الخاصة التي تحمل بدورها خصائص الحياة الاجتماعية خاصة للبورجوازية الصغيرة في المدن التي يخرج منها معظم شخوصه وهي حياة خاوية ورتيبة يغادرها (عبد الستار) إلي عالم افتراضي هو عالم القصص التي ملأ بها بيته وتماهى معها لحد اختيار لحظة يقرر فيها تغيير حياته كلية.. وهو يصف هذا التغيير بالجريمة لأنه (يترك سلوى بعد عشرين عاما من الزواج) ليصنع من الواقع البائس الخالي من المفاجآت لحظة ذروة، وتتحول الأوهام في القصص إلي وقائع في الحياة، لأن الراوي في الحياة (لا يشارك كالعادة) إنه منفي في رتابة المنظر وفي واقع الإنسان الصغير في عالم معاد لا يمنحه دورا ولا أفراحا بل إنه يبقى معلقا في طاحونة الكدح ليل نهار دون أمل (انقطع أخوها حمادة عن العمل كفني كهرباء مع المقاول الذي طرده لسبب ما، وعاد إلي الفراش)، وهنا يتقدم الخيال الجماعي الثري ليصنع لنفسه بطلة تتعلق بها القلوب فتظهر (جيدا) في الزاوية الصغيرة لطبق الأصداف ود علي هيئة فرس عليها سرج بالخرز الملون، ولجام من الذهب الخالص) وتتعلق بها شخصيات القصة لنعرف كيف يفعل كل من الشغف والإلهام والسحر والولع فعله محركا العالم الراكد حتى لو كانت حركة مفعمة بالحزن، فلا يندر أن تنتهي واحدة من القصص بالإجهاش بالبكاء.ما أن تنتهي من قراءة هذه المجموعة إلا وتجد لديك رغبة عارمة في قراءتها مرة أخرى، وإن دل ذلك على شيء فعلى تعدد المعاني والدلالات والمستويات سطحية وعميقة والتي تدعوك جميعا لسبر أغوارها والنظر في أعمق الأعماق وأنت واقف على الحافة وكل شيء في المجتمع الاستهلاكي الطبقي الفقير يدعوك لأن تسبح عكس التيار لأن هذا الواقع ليس إلا مقبرة للأحلام، فالبنت التي يمنعها المجموع من مواصلة الدراسة (تعد نفسها لتكون زوجة لرجل لا تعرفه حتي الآن)، وتجري إزاحة لاعب الكرة الموهوب إلى الهامش بفعل التنافس البغيض وغير الصحي ورفضه هو للشروط البائسة التي تفرضها عليه الشهرة والأضواء حيث المنفعة العارية والزيف الصريح، وهناك أيضا دور الأب - الذي يموت في بعض القصص - ويقف رمزا لاختناق الأحلام.. وهناك تاريخ النساء الذي تصنعه الأوامر والنواهي ثمة شوق هائل للحرية تعبر عنه فتاة بالرغبة الحارقة في الخروج إلى الحدائق والكورنيش، والخروج إلي العالم الواسع يرتبط دائما بحلم وحيلة ما للانتصار علي الوحدة والوحشة.. وكلما انتهينا من قراءة واحدة من هذه القصص الجميلة المكتنزة نجد أنفسنا ونحن نتساءل.. كل هذا الحزن.. كل هذا الألم (إن الألم في داخله أكثر منه أي شيء آخر، ويتكرر اسم (سلوى) كثيرا وكأن الشخصيات وهي تتحرك في عالم لا روح ولا عزاء فيه تجد نفسها في حاجة ماسة إلى السلوى).ينسج (عبده جبير) خيوط عالمه بشاعرية لا عاطفية ويلجأ إلي تداخل الضمائر وتعددها فيغتني النص - على صغره - بالأصوات والعوالم المختلفة، ويصبح التشابه كناية عن الرتابة والتكرار المميت.وتحتاج الآليات والحيل الفنية التي استخدمها القاص المتمكن إلي قراءة مستقلة بما في ذلك اختياره الشعري لعناوين القصص، لتبين لا فحسب قدرته على إنتاج نص متماسك وغني وإنما أيضا إنتاج الدلالات الاجتماعية الجمالية برهافة مميزة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram