TOP

جريدة المدى > غير مصنف > التكــرلي.. كتابة الحرية الداخلية

التكــرلي.. كتابة الحرية الداخلية

نشر في: 12 مايو, 2010: 04:21 م

علي الفوازفؤاد التكرلي شاهد على انهيار الجدار، جدار الحكواتية القديم الذي استظلت به القصة العراقية كثيرا، هذه الشهادة كانت تحمل امتياز الكشف، وامتياز الوعي، الوعي بما حولها من مهيمنات وفروض في الكتابة السردية، وما ينتهكها من انزياحات افترضت تغاير المنظور الى هذه الكتابة تصوراتها وعلاقاتها.
 وعلى الرغم من مؤثرات ما تركته الكتابة من أثر وعلامات، فان البيئة العراقية وجدت ايضا في نموذجها القصصي الجديد مجالا للانفتاح على احتمالات متعددة للتجديد، عبر تلمس عوالم خبيئة مجهولة، وعبر الكشف عن شخصيات مهملة في القاع الاجتماعي والمكاني، فضلا عن النظر الى ستراتيجية هذه الكتابة عبر وعي تحولاتها السردية التي مهدت لاعلان نزعة التحديث في القص العراقي. هذا التحول في نمط الكتابة اسهم في ايجاد خصائص اكثر ثورية في جنس القص وفي توصيفه، مثلما اسهم في ايجاد تعيينات ساندة في اليات الكتابة واساليبها وتقنياتها والمحمولة على وجود تراكم ثقافي معرفي وجمالي اخر، وجد فضاءاته عبر الترجمات الواسعة، وعبر عودة الكثير من المثقفين العراقيين من الخارج، ناهيك عن اثر التحولات السياسية والفكرية الكونية وماافرزته من قوى جديدة ومن وعي جديد ومن تغاير في انماط الصراع، والحراك الاجتماعي والثقافي. هذه الفضاءات عكست العديد من تمثلاتها وانزياحاتها وتشكيلاتها على تطوير البيئة الثقافية في العراق بشكل عام ونمط الكتابة القصصية بشكل خاص. اذ انها تمردت على الاشكال التقليدية المبكرة للكتابة القصصية ونماذج محمود احمد السيد والكتابة الايقاظية وعلى معطف(ذو النون ايوب) الحكواتي الرومانسي، وعلى تقليدية جعفر الخليلي وتأثراتهما العالقة بانماط الكتابة الواقعية المباشرة وطبائع كتابة المشاعر الوصفية والشخصية التي استعارت انماطها من جبران خليل جبران وامين ريحاني وغيرهما، ناهيك عن الخلط في تقنية الكتابة ذاتها، تلك التي يمتزج فيها المقالة مع التمسرح مع كتابة الوصايا والعظات وغيرها. كل هذا القاص العراقي الجديد امام اختبارات وخيارات ونقائض باتت تطرح نفسها بشراهة واكثر اثارة للاسئلة..وكان من ابرز الذين تأثروا بهذا التغاير القاصين عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ، اذ ارهصت كتاباتهما بنوع من السرد الذي يعيد تركيب الواقع واحداثه وشخوصه.. وكان للتكرلي خصوصية استثنائية في التعاطي مع المؤثرات الثقافية التي استجلبها هذا الواقع، تلك المؤثرات التي صنعت (حريته الداخلية) الباعثة على المزيد من التكشف والتأثر، بدءا من التأثر بانماط الكتابة الجديدة التي طرحتها سرديات المفارقة وسرديات الازمة، والتي كان عوالم دوستوفسكي الروائية ابرز تمثلاتها القائمة على الكشف عن بيئات اكثر عمقا وتوهجا وامتلاء، وشخصيات خارجة عن الوصايا، مأزومة، قلقة، غير سوية والتي تمثل الى حدّ ما فضاءات القاع الاجتماعي، والتي بعضها قد يشبه شخصيات القاع في هامش مكاني اسمه(باب الشيخ) وانتهاء بانماط الكتابات ذي المؤثرات الوجودية والنفسية التي استثمر القاص عوالمها ومثيراتها النفسية خاصة عند جيمس جويس وسارتر وكامو. وفعلا كانت هذه العوالم هي ما اسستغرق كتابات التكرلي، فبدت شخصياته مسكونة بقلق وعيها ازاء الخارج المضطرب، محمولة على هواجس عميقة بتمردات النوازع الجنسية والفكرية واضطراباتها. يقول د.شجاع العاني ان التكرلي(واصل الطريق التي بدأها سلفه عبد الملك نوري، وقد اتاح استقلال القاص الفكري له ان يخلق انعطافا حادا في فنية القصة العراقية بما احدثه من تغيير في الرؤيا والمنظور، فلقد انتصر التكرلي/ الذي عاب على نوري ان تكون شخصياته كاشياء في العالم مع بعض التناقضات حسب عبارته)1خصوصية التكرلي لاتكمن في طريقة كتابته التي ظلت قريبة من النمط(الكلاسيكي) بقدر ما تكمن في صناعته للشخصية، اذ خضعت هذه الشخصية الى قراءات متعددة، مثلما خضعت الى مستويات تركيبيه داخل النص ذاته، مستويات تستعير من تقنيات الكولاج التقطيع السينمائي والفلاش باك بعض اشتغالاتها والتي اسهمت في اضفاء ملامح جديدة لوجود هذه الشخصية. وبقدر ما تحمله هذه الشخصية من هواجس يومية اوهموم اجتماعية، فان خضوعها للتركيب جعلها الاقرب الى الشخصية التي اشتغلت عليها الواقعية الجديدة، بما فيها الواقعية السينمائية، حيث تعاني هذه الشخصية من نقائض اجتماعية واضطرابات داخلية تعكس تشوهاتها النفسية والطبقية والجنسية، ولعل قصته الاولى(العيون الخضر) تحمل هذا الهاجس كثيرا، اذ وضعت شخصيتها المضطربة المنتهكة اجتماعية امام مستويات توصيفية واخلاقية وفكرية وامام نوع من البطولة الاخلاقية للبطل الاجتماعي، وهذا التوصيف لم يسهم في الكشف عن مضامين جديدة، بقدر ما كشف عن افكار وعن رؤى اخرى، لها علاقة بالوعي ازاء المضمون والوعي ازاء صناعة النص، والتي برع فيها التكرلي كثيرا، اذ يقول عنه د. علي جواد الطاهر(ان التكرلي ليس قصاصا فقط، انه مثقف في فن القصة وفي علمها، قواعدها، قوانينها، سماتها) هذه الخصوصي في الكشف عن المستويات البنائية في المشهد، وفي صراعات شخصياته خضعت الى مؤثرات ثقافية فضلا عن مؤثراتها الاجتماعية والاخلاقية، اذ اضفى على تقنية القص سمات اسلوبية تزاوج فيها تعدد مستويات التجريب الظاهر والخفي في صناعة الشخصية،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram