اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ليلة التحليق فوق الرياض..تجربة فريدة

ليلة التحليق فوق الرياض..تجربة فريدة

نشر في: 14 مايو, 2010: 04:38 م

نجم واليفي الساعة الثامنة والنصف مساءً، بدأت طائرة الأيرباص التابعة للخطوط الجوية الألمانية اللوفتهانزا بالهبوط التدريجي من علوها التقليدي، وعندما أصبحت قريبة من مطار العاصمة السعودية (الرياض)، ضغط كابتن الطائرة على زر إخراج العجلات،
 كانت الطائرة تحلق على علو 1100 متر، وهو علو كاف في الحقيقة لكي يرى المسافرون، خصوصاً أولئك الذين جلسوا عند نوافذها أضواء أحياء المدينة المحيطة بالمطار، أنها أيضاً تلك اللحظات التي يشعر بها المسافر بأن رحلته الهوائية أوشكت على الإنتهاء، وأن قدميه ستلامسان الأرض بعد لحظات، أنها اللحظات أيضاً التي يشعر بها المسافر بالعودة إلى الأرض بالراحة الداخلية،كل شيء يحمل معنى آخر في تلك اللحظة، كلنا نعرف ذلك: الإنسان لم يخلق للطيران، وكل تجربة بالطيران هي محاولة من هذا الكائن الأرضي للتحليق بعيداً بنفسه، ليس من الغريب أن يشعر المرء فوق بتوتر وإضطراب، نفسه يتسارع، وضربات قلبه تزيد، أما عقله فيبدأ في العمل بإيقاع آخر، وليس كما يظن البعض أن الأمر له علاقة بالخوف. بعض شركات الطيران، اللوفتهانزا مثلاً تقدم كورسات لمن يرغب من المسافرين، لكي يتعلموا التغلب على خوفهم.في مساء الحادي والعشرين من نيسان أبريل، في يوم الأربعاء ذلك، اليوم الذي سيدخل التاريخ في حياتي، خطر على ذهني كل هذا، فمع سقوط عجلات الطائرة الضخمة، سقط مع ثقلها ثقل كان جثم على صدري، يقول رحلة لم تكن سهلة، رحلة من أصعب الرحلات التي عشتها في السنوات الأخيرة، كان الرماد البركاني القادم من شمال الكرة الأرضية، من نيوزلندا ما يزال يلقي بحممه من شمال الأرض، كانت المطارات مقفلة في أوروبا ومنها مطار برلين طبعاً، وكان علي أن أستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً في ذلك اليوم، لكي أذهب في القطار من برلين إلى فرانكفورت، على أمل أن تطير طائرتي المتجهة في ذلك اليوم إلى الرياض. أربع ساعات ونصف إستغرقت الرحلة، وكان القطار مزدحماً لا مكان فيه. رحلة مرهقة في الحقيقة، لكن المهم هو الأمل ألا أقضي كل الوقت في مطار فرانكفورت. بالفعل في ذلك اليوم ولحسن حظي فتح مطار فرانكفورت حركة الملاحة للطائرات.الرحلات الأولى بدأت بإتجاه شرق الأرض وجنوبها، كانت تلك أول زيارة لي للرياض، وكنت مصراً على الطيران في اليوم نفسه. كل رحلة جديدة لي هي إستفزاز روحي أصلاً، التعرف على عالم جديد، على اصدقاء جدد، كل رحلة جديدة هي محاولة مني للتحليق بالروح بعيداً عن الأرض.أقول ذلك من دون أن أدري أن زيارتي الأولى للرياض ستكون بالفعل فريدة الطراز، ليس بسبب البرنامج الذي ينتظرني هناك، البرنامج الذي وضعه السيد ستيفان شنيك، الملحق الثقافي في السفارة الألمانية في الرياض مع العديد من الأندية الأدبية في السعودية، بل أكثر ستكون بسبب ما جرى في تلك الليلة، ليلة الحادي والعشرين من أبريل/نيسان، في اللحظة التي سقطت فيها العجلات، تزحلقت الطائرة بسرعة عجيبة مثل طائرة ورقية في الهواء، أو مثل سيارة تزحلقت في الماء، في تلك اللحظة أظلمت السماء، ورعدت بشكل مخيف وإلى جانب جناحي الطائرة برقت أضواء صواعق، تسقط مثل أشرطة ضوئية، أو مثل وميض قذائف، في تلك اللحظة حدث كل شيء بسرعة البرق ذلك، لبرهة ضمت الطائرة عجلاتها من جديد مثل طائر غير رأيه، وحلقت من جديد، ولو لم يأت صوت كابتن الطائرة مهدئاً لألتبس الأمر على المسافرين جميعاً، ولظلوا مسمرين بجلستهم للمقاعد لا قطرة دم في وجوههم، قال الكابتن، أنه آسف لعدم تمكنه من الهبوط في مطار الرياض، وان علينا التوجه بدل ذلك إلى العاصمة القطرية الدوحة.في الساعة الثانية عشرة والنصف بتوقيت الدوحة، وبعد ساعتين أو أكثر من هبوطنا هناك، عادت الطائرة من جديد بإتجاه الرياض، محملة بركاب جدد في طريقهم إلى فرانكفورت، وعندما اصبحت الطائرة مرة أخرى قريبة من مطار الرياض، عندما هبطت وأصبحت على علو 1100 متر، علو كاف لرؤية أضواء المدينة وأحيائها، وعندما سمعنا الضجة التي يحدثها خروج عجلاته، التفت إلى سيدة بلجيكية جلست إلى جانبي، قلت لها سيحدث لنا ما حدث قبل ساعات، كنت أمزح من دون أن أدري أن مزاحي يتحول إلى حقيقة. لكن لا دوحة في المرة هذه، فالطائرة متجهة إلى فرانكفورت، وفرانكفورت بعيدة، قرابة ثلاثين دقيقة ظلت الطائرة تحوم حول مدينة الرياض مثل طائر ضخم في ظلمة الليل، ربما بحثاً عن مدخل أو نفق في العواصف التي هجمت (ولاتزال) عي المدينة، مثلما هجمت على مدن سعودية أخرى وأغلقت مطاراتها، نصف ساعة والمسافر لا يرى غير وجوه شاحبة حواليه، وأياد تمسك ببعضها، وبدقات قلب ترتعد يمكن سماع أصواتها..دم..دم..دم.. وأخيراً كان علينا أن نهبط في الساعة الثانية والنصف ليلاً، لكن ماذا يعني الوقت في أزمان الأموات؟ في الساعة الثانية والنصف وبضع دقائق هبطت طائرتنا على  أرض مطار الرياض، ومعها هبط كابوس جثم على صدورنا، لتستقبلنا الرياض كأن شيئاً لم يحدث، كأن الصمت لم يخيم علينا جميعاً نحن ركاب الطائرة الألمانية كلّ الوقت، أو كأن أحداً من المسافرين لم يصدق أن عجلات الطائرة لامست الأرض بالفعل؟ بل كأن شيئاً لم يحدث؟ ثم: يا لهدوء ضباط الجوازات!أي يوم مرّ قلت لنفسي، أهر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram