ترجمة / عادل العامللم يكن هناك ، و أنا مراهق ، و حتى في أوائل العشرينيات من عمري ، يقول جوناثان ياردلي في مقاله النقدي هذا، كاتبٌ ميت أو حي أدَّخر له عملاً أكثر من جون شتاينبك . و خلال خمسينيات القرن الماضي ، كنتُ ألتهم رواياته التهاماً ــ " عناقيد الغضب The Grapes of Wrath" ، و لكن أيضاً كل البقية ، بما فيها " في معركة مريبة " ، " الوادي الطويل " ، " رجال و فئران " ،
" القمر تحت The Moon Is Down " و " شرق عدن " ، التي نُشرت و أنا في الثانية عشرة من عمري ــ بهوى المراهقة و بدون تمييز تماماً . و كان ولعي على درجة من الشدة بحيث أنني ، في عام 1960 ، تركتُ صديقاً لي يُقنعني بأن أقايض نسختي الجديدة من " آثار أدبية : مختارات من شوسَر إلى بيربوم ــ و بعده " الرائعة لدوايت ماكدونالد بنسخته من " أسفار مع شارلي بحثاً عن أمريكا " لشتاينبك. حسَنٌ ، و يمر الزمن على ذلك . لقد اختفى " أسفار مع شارلي " من مكتبتي قبل دهور ، لا أدري متى و أين على وجه الدقة ، و قبل أسابيع قليلة فقط أعدتُ الأمور إلى نصابها بشرائي ، لقاء ثمنٍ بخس تقريباً ، نسخة مستعملة لطيفة من : آثار أدبية .. " بغلافها الترابي الأصلي . و على مرّ السنين اختفت كل مجموعتي من كتب شتاينبك ــ التي كان قد توفر لديّ العديد منها ، و كان آخر ما اختفى " عناقيد الغضب " في ربيع عام 2006 ، حين كان علينا ، أنا و زوجتي ، في عملية انتقالنا من منزل كبير إلى شقة صغيرة ، إتخاذ أحكام أدبية قاسية لتقليص مكتبتنا . و من اللازم أنني و أنا طفل كنت أقرأ كطفل ، و حين أصبحتً رجلاً نحَّيتُ جانباً الكتب الطفولية ، لكن ذلك ليس بالأمر العادل بالنسبة لشتاينبك ، أو ، بسبب ذلك ، بالنسبة لنفسي الشابة . و بعد عقدٍ و نصف من الزمن ، حين راجعتُ المجلد الأول من طبعة شتاينبك لمكتبة أمريكا ( المجلد الرابع والأخير قد نُشر الأن ) ، الذي يحتوي على الخمسة الأولى من كتبه ، صدمتني " المهابة ، و الوجدانية ، و السخرية الثقيلة ، و انعدام روح الدعابة ، و التعابير العامية المجهدة ، و الفجاجة ، و السذاجة السياسية " التي وجدتها فيه ، لكن أُعيد إلى ذهني ما كان قد جذبني إليه عندما كنتُ شابا: " صوره المتعاطفة بقوةٍ عن عمال المزارع الأمريكيين و ... مشهد العدالة الاجتماعية الذي يغمر نتاجه الأدبي . " و الآن ، و برنامج ( القراءة الثانية ) يدخل سنته السادسة ، و عدد من القراء يتساءلون عما إذا كان شتاينبك سيتضمنه المسلسل ، فإن من المناسب إلقاء نظرة أخرى . قررتُ القيام بهذا مع كتاب " كانيري رو Cannery Row " ، الذي نُشر لأول مرة في عام 1945 ، و قرأته بعد ذلك بست أو سبع سنوات تقريباً . و كنت قد قرأت آنذاك بشعور غامر من الابتهاج العمل الناجح الشعبي الأول لشتاينبك ، " شقة تورتيلا " ( 1935 ) ، و أثارني اكتشاف أنه يؤشر لعودةٍ إلى مونتيري ، البلدة الكاليفورنية الساحلية التي أحب شتاينبك أناسها العاديين و صوَّرهم بقدرٍ من التعاطف و الدعابة . و تذكّرت أن شتاينبك في هذين الكتابين كان قد نحّى جانباً الألم الخفيف الذي كان معرَّضاً له و مال إلى الهزل ؛ كان على مسار طويل من الفكاهي ، لكنني تذكرتُ هذين ككتابين الحسني الفكاهة أو الدعابة و تساءلتُ إن كنت سأجد أن هذه النوعية لم تكن قد قلَّت على مرِّالسنين . و الجواب القصير هو أن الدعابة الجيدة ما تزال هناك ، لكن الكتاب نفسه يبدو الآن متكلَّفاً و عتيق الطراز و ليس هزلياً جداً في الواقع . و هذا أمرٌ مُحبِط إن لم يكن مثيراً للدهشة ، لكنه يترك من دون جوابٍ ذلك السؤال المتعلق بشتاينبك و الذي كدَّرني و آخرين كثيرين غيري لسنواتٍ عديدة : لماذا يستمر نتاج هذا الكاتب الجاد و المفتقر إلى الفن في التمتع بمثل هذه الشعبية المدهشة ؟ و ليس من الصعب إدراك لماذا تُختار كتبه على نطاقٍ واسع في صفوف المدارس الانكليزية المتوسطة و الثانوية ؛ فهي سهلة القراءة ، و هي أمينة في تصويرها للأمريكيين من الطبقة العاملة ، و تدعم عاطفياً القيَم و المباديء الأمريكية الأساسية حتى و هي تنتقد تفصيلات الحياة الأمريكية . و مهما كانت نواقصها الأدبية ، فإنها تتَّسم باكتمالٍ يستجيب له القراء الشباب.لكن لماذا يواصل البالغون قراءة شتاينبك بمثل هذه الأعداد ؟ بعد أربعة عقود من وفاته ، تدرّ كتبه المال على ناشريه ؛ فهو بالنسبة لدار فايكِنغ بنجوين كخليل جبران بالنسبة لكنوبف ، مصدر متصل للدخل . فمن " كأس الذهب " ( 1929 ) إلى " أمريكا و الأمريكيون " ( 1967 ) ، تبقى كتب شتاينبك مطبوعة و معروضة للبيع ، سويةً مع مجلدات متنوعة من الرسائل لكتّاب راحلين ، و مجموعات و غيرها . و نسختي من " Cannery Row " جزءٌ من " طبعة شتاينبك للذكرى المئوية " الصادرة عن بنجوين في عام 2002 . و المستهدَف بهذه الطبعة القراء البالغون ، و هي تصل إليهم كما هو واضح من المبيعات المنشورة . و من المحتمل أن تفسير هذا سيظل سراً على الدوام . و لا يفيد كثيراً في ذلك حصول شتاينبك
شتاينبك..كاتب الشعور و الميزة الأدبية..قراءة ثانية في كتاب قديم
نشر في: 15 مايو, 2010: 04:18 م