ابتسام عبد الله كوركيس عواد، الشيخ الذي تجاوز الخامسة والسبعين لم يعش حياته هباء، اذ ان بصماته تبدو واضحة على الحياة الثقافية ، كتب وترجم وحقق اكثـر من اربعين كتابا، وما زال يكتب ويراجع الكتب والمخطوطات بهمة الشباب،
وصبر الشيوخ، وهو في حاجة الى مثل هذا الصبر خصوصا اذا عرفنا ان كتابه الاخير المعنون "مصادر التراث العسكري عند العرب، اخذ منه حوالي 18 عاما من العمل الدؤوب. ورحلته الطويلة ما بين الكتب والمخطوطات القديمة اعطته الكثير، ولكنه عبرها، ادار ظهره لصناعة برع فيها والده، واكتسب لقبه منها، وهي صناعة العود. كان والده عواد اول من ادخل صناعة العود الى العراق الحديث، بعد اندثارها بحيث ان العراقيين، اخذوا يجلبونها من سوريا أو تركيا كان والده يصنع الالات الموسيقية فبرع في صناعة "القانون" لكنه، فكر في اضافة العود ايضا الى تلك الالات التي كانت تخرج من بين ايديه مشدودة الاوتار، دقيقة الصنع وعشقت انامله هذه "الصنعة" الجديدة، وانصرفت اليها بكليته بحيث ان اسمه اصبح مرادفا لها، وطار صيته من الموصل الى بغداد والبصرة، واصبح كل من يقتني عودا من العواد الموصلي، يحس بنوع من الزهو والمباهاة، ألم يفكر كوركيس الصبي في تعلم مهنة والده"؟. لم اتعلمها ، يجيب كوركيس عواد، لكني كنت عازفاً ماهراً على العود، وجرفتني الكتابة بعيداً، بحيث ان اناملي اصبحت اخشن من ان امررها على الاوتار الحساسة. *وماذا تتذكر من الموصل القديمة؟ -مدينة محدودة الثقافة لا انارة لا اسالة للماء، كان السقاؤون يحملون قراب الماء من نهر "دجلة" ويأتون بها الى البيوت كنا نعتمد في الاضاءة على الفوانيس والشموع ولهذا كنا نفضل ، ونحن صغار على الدراسة نهارا وعدم تأجيل الواجبات المدرسية الى الليل، حيث نضطر للقراءة على ضوء الشمعة او الفانوس". بالرغم من من هذه الظروف واصل كوركيس عواد دراسته والمدارس انذاك، كانت تعد على اصابع اليد، الطلاب قليلون الطرق غير معبدة والكتب غير متوفرة كانت الامية هي الغالبة بحيث ان الرسالة التي كان يستلمها احدهم، كانت تطوف سبع احياء سكنية من اجل العثور على من يستطيع قراءتها. وتبدل الحال، بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى. وعرفت المدن طعم المدارس، وازداد عدد الطلاب والمعلمين وكانت الامتحانات بحكم الحاجة اسهل واقل، تعقيدا ما هي عليه اليوم، وكان الطالب الذي يتسنى له انهاء الدراسة الثانوية يعين في الحال معلما، ويصبح بذلك موظفا مرموقا في الدولة، وهكذا تحول كوركيس عواد، الطالب المتفوق الى معلم في احدى قرى الموصل. بعد تخرجنا في دار المعلمين في بغداد، يتذكر كوركيس عواد، وزعنا في مختلف انحاء العراق، كانت قرية "بعشيقه" من نصيبي بلدة عامرة كثيرة البساتين تشتهر بزيتونها الممتاز ، بقيت سنتين فيها ثم نقلت الى قرية اخرى وهي "القوش". وفي "القوش" كان الشاب يمضي وقت فراغه في القراءة مال اولا الى الكتب الجغرافية ويتتبع وهو في القرية الصغيرة اخبار الاكتشافات العالمية، ولايبخل في شراء ابرز الكتب الجغرافية بل اتسعت هوايته تلك ودفعته الى الاشتراك في مجلات متخصصة عالمية. وعندما اتسعت مداركه في هذا المجال، بادر الى ترجمة عدد من المقالات، فالترجمة كانت خطوته الاولى نحو الكتابة، ترى هل يتذكر تلك البداية؟ -"قد مضى على ذلك اكثر من نصف قرن من الزمن. كان ذلك عام 1931 ، بعت المقالة الاولى الى مجلة "النجم" وكان صاحبها علامة كبير، وهو سليمان الصائغ، المعروف بكتابه عن تاريخ الموصل ، كنت واجفاً وقلقاً، هل تنشر المقالة، أم تلقى في سلة المهملات. وانتظرت بعد شهر او اكثر وجدت المقالة منشورة في المجلة وكان فرحي كبيرا، ازددت ثقة بنفسي وبدأت انصرف للكتابة في مجلة "النجم". ونسأل كوركيس عواد *ولكنك غيرت اتجاهك من الجغرافية الى التاريخ، والى التراث كيف حصل ذلك معك! -انتقلت الى الموصل للعمل في مدارسها والتقيت فيها باستاذي سليمان الصائغ اعطاني كتابا باللغة الانكليزية عن الحفريات في "تل اسمره" و"الخفاجي"..حيث كانت بعثة اميركية تقوم باعمال التنقيب في مناطقها الاثرية، وطلب مني تلخيص بعض المقالات لنشرها في "النجم" لخصت اربعة اقسام نشرت بالتتابع، وكانت تلك الخطوة بداية انتقالي من الجغرافية الى التاريخ ومع ذلك، لم اهمل هوايتي الاولى اذ عدت اليها بعد سنوات طويلة، حيث ترجمت بالاشتراك مع زميلي بشير فرنسيس كتابا ضخما بعنوان بلدان الخلافة الشرقية، يقع في 700 صفحة وصدر عن المجمع العلمي العراقي عام 1954 ونفد وهو اليوم اندر من الكبريت الاحمر". *وواصلت القراءة واقتناء الكتب النفيسة وبالحماس نفسه الذي واصلت فيه عملك في تلك المدرسة الابتدائية معلما للنحو والقراءة العربية، ولكن القدر كان يخفي لك مفجأة اخرى غيرت مجرى حياتك وكان ذلك في عام 1936. يقاطعنا كوركيس عواد ويقول: -كانت لتلك المفاجأة اصول اولية، عندما كنت ادرس في قرية "القوش" القراءة الخلدونية التي وضعها المرب
ملحق ذاكرة عراقيةكوركيس عواد ..انتقد ساطع الحصري فنقله من "التعليم" إلى "الآثار"
كوركيس عواد ..انتقد ساطع الحصري فنقله من "التعليم" إلى "الآثار"
نشر في: 16 مايو, 2010: 04:26 م