صاحب احمدمن الحقائق المسلم بها تاريخياً إن الخط العربي ظهر في العراق وفيه ظهرت أولى بوادر تدوين الخط وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، استناداً لما اكتشف من رقم طينية في الوركاء.
ففي البدء كانت أشكالاً صورية ثم تطورت إلى ما يسمى الرمزية والمقاطع الصوتية التي عرفت فيما بعد بالكتابة المسمارية، وكان ذلك في زمن الكنعانيين حين ظهرت الهجائية التي فتحت باباً جديداً إذ تطورت وبدأت تنظم بوسائل متعددة.وهناك، وفي جوانب أخرى اوجد الآراميون الخط الآرامي الذي كان بمثابة نقلة كبيرة لإضفاء تنويعات جديدة، وكذلك ما تلاه في عهد النبطيين والانباريين ثم في الحيرة حيث أسس الخط الكوفي. بعد الحيرة ظهر الخط المكي المدني والبصري، بعدها ظهرت المدرسة البغدادية التي تعتبر من أرقى المدارس الخطية في العالم الإسلامي إذ ظهر وقتها خطاطون مميزون مثل ابن مقلة وابن البواب وزينب الابرية الملقبة (شهدة) وكانت مدرسة تتلمذ على يدها نوابغ الخطاطين مثل ياقوت المستعصمي. بعد سقوط بغداد مرت فترة مظلمة فتحولت مدارس الخط العربي إلى مدارس أكثر دقة واستقراء لا تزال تلك المدارس تلقي بظلالها على الخط العربي والى يومنا هذا. وقد ظهر في تلك الفترة خطاطون برعوا في رسم أشكال الخط وقواعده وحافظوا على أصوله وعرف منهم حمد الله الاماسي والحافظ عثمان ومصطفى الراقم ومحمد شوقي ونظيف واحمد الكامل وحامد الامدي الذي تتلمذ على يده الخطاط المعروف هاشم البغدادي. طبعاً لا يمكن أن نجهل انعكاسات وتأثيرات هذه المدارس على خطاطين ظهروا في مصر وتركيا وإيران. ( وكم تحدى الطاغية خطاط مثل ابن مقلة الذي تقلد الوزارة ثلاث مرات وقاد جيوشاً ثلاث مرات ودفن ثلاث مرات قطعت يمينه فربط قلماً في مقبضه المبتور وواصل الكتابة). في الحديث عن الفنان السعدي فقد نشأ في مدن زخرت بالأضرحة والجوامع التي أثرت على مساره الفني لما تحويه تلك الجوامع من روائع للخط العربي وما هو مكتوب على أفاريز خطية وزخرفيه من خارج وداخل تلك الأماكن. حين أقام الفنان حميد السعدي معرضه على ( قاعة التحرير) في بغداد في نهاية الثمانينيات كان هناك من بين المعروضات التي اتسمت بالدقة والتقنية حبة كرز كتب عليها السعدي البسملة وبخط الثلث. بعد سنوات سألت حميد عن تلك الحبة فقال: لقد كتبت بعدها وحاولت إعادتها دون جدوى، لا ادري وأنت تعرف أحياناً المزاج أو قوة النظر وحتى(الإبرة) التي كنت أبردها وأشفرها لم تعد تطاوعني لمثل تلك التجارب الفريدة. كنت أرى في أعمال السعدي مزاوجة وتشابكاً بين الخط والرسم.. ورغم هذا التمازج الذي لا يخلو من الغرابة فإنه ظل أميناً لصياغة الحرف، فإذا أراد رسم لوحة ينتقي ما ينسجم من الحروف وتلك اللوحة فعلى سبيل المثال إذا أراد أن يضمن تلك اللوحة عبارة (إذا الشمس كورت) فهو يلجأ إلى الخط الثلث إذ يرى في ذلك انسجاماً لتشكيل اللوحة. سألت السعدي عن تحولات أساليب الخط، قال: بالنسبة للخط الكوفي فهو واحد من الأقلام الستة الرئيسية في الخط العربي والتي هي الكوفي والثلث والنسخ والتعليق والديواني والرقعة، وهي أساليب تعتبر مرجعاً وصدراً يستخدمها الخطاطون. ويذكر إن عدداً من الخطوط قد اشتق من الخط الثلث والنسخ.. فالجلي الديواني اشتق من الخط الديواني والذي كان حصراً على بلاط الملوك والأمراء. هناك خط الإجازة الذي اشتق من خط الثلث والنسخ .. أيضاً خط المحقق الذي هو مستخرج من الخط الثلث. طبعاً هناك عدد من هذه الخطوط أخذت تسميتها من الأماكن أو المدن التي وجدت فيها مثالاً على ذلك الخط الأندلسي والمغربي والنيسابوري وغيرها. أما بالنسبة إلى خط الثلث فكان الخطاطون الأوائل يستخدمون قلماً يسمى الطومار وهو أشبه بوحدة قياس أخذت من شعر حيوان البرذون "البغل" إذ يكون من 24 شعرة وكان قلم الطومار قد قسم على هذه الأسس. وخط الثلث كان ثلث قلم الطومار ومنها اتخذ اسمه. أما خط النسخ فقد أخذ اسمه لاستعماله في نسخ القرآن... والكتابة الدارجة. أما بالنسبة إلى خط التعليق فقد أخذت تسميته لكون شكل الحرف يبدو معلقاً. هناك خط الرقعة وهونوع من الخطوط المختزلة لأنه كان يكتب على الرقع الطينية والبردي وجريد النخل وهو أكثر الخطوط شيوعاً لتناوله بالتعامل بالحياة اليومية. هناك خطوط اندثرت وندر أستعمالها تقريباً مثل الخط النيسابوري نسبه إلى مدينة نيسابور التي تقع شمال إيران ذلك لمحلية هذا النوع من الخط وانقطاع صلته ببقية الخطوط. كذلك خط السياقات الذي انتشر في مصر لكنه سرعان ما أهمل. والحقيقة ان الخط يستند إلى قاعدتين الخطوط اليابسة التي تشمل الكوفي وما استنبط منها والخطوط اللينة التي هي خط الثلث وما خرج منه, اشتهر في ممارسة هذه الأنواع من الخطوط عدد من الخطاطين في مختلف البلدان آنذاك فقد برع في خط الثلث والخطاط سامي أما خط النسخ فتفرد به محمد شوقي أما خط التعليق فقد اشتهر في الأتراك والفرس على السواء وكل له خصوصيته وأسلوبه.ويعتبر عناد الحسني من رواد خط التعليق بلا منازع أما الخط الديواني وجلي الديواني والرقعة فقد برع فيها
حميد السعدي.. المزاوجة بين الرسم والخط
نشر في: 17 مايو, 2010: 05:02 م