حميد المطبعيكان الحنفي يخطب في الجامع ويؤم الناس في صلواتهم، فهل كان رجل دين حقاً..؟- هو رجل دين، لكن ليس كرجال دين في تقاليدهم وطقوسهم، انما كان ثائراً في تنوعه الانساني، خرج بالجامع إلى معركة الحياة يحارب الذل والفقر والظلم مهما كان مصدر هذه الافات:
سلطة المجتمع او سلطة الدولة حتي حوصر. في أنفاسه وفي رزقه وفي شؤونه العلمية، وحاربته الاوقاف نصف قرن فلم تسعده في جامع اذ تجعله يؤلف العلم او التشريع بنبوغه الخاص، ثم حاربه رجال الدين لهم حصص في كراسي الدولة، لان الحنفي ما اراد الدين عمائم فقط بل الدين ان تنزل العمائم إلى الساحات وترى المأساة التي تطحن اليتامى وجهالة الناس، وعندئذ يصبح الدين رحمة وطهراً، بل يصبح الدين مأوى لكل المعذبين في الارض، ويغدو رجل الدين: هو المخلص من آفات القرون الاولى..! rn{ هل لكلامك هذا دلائل ومستندات...؟- قرأت اضبارته فوجدت عجائب الاشياء على ظلم هذه الشخصية في تاريخنا الديني، ففي بواكيره فصل من دار العلوم وكان في الصف الخامس النهائي لأنه تجرأ وفسر نصوصاً دينية باجتهاده الخاص، ثم رأيت الحكومة تنقله من جامع قريب اليه إلى جامع في جنوبي العراق لان الحنفي خطب يسخر من مدير الاوقاف لجهله بالاوقاف، وعندما عين قاضياً في اواخر العهد الملكي ذهب الواشون إلى البلاط وجمدوا الامر.. كان يواجه محنة لا مفر منها..!{ هل ظهرت بوادر طائفية في خطبه وفي دراساته...؟- بعض العوام يعتقد انه ما دام الحنفي يحمل لقب طائفة معينة منذ طفولته العلمية فهو حتماً طائفي ويصدر عن بيئة طائفية، وهذا اعتقاد مغلوط، فالحنفي رجل موحد نبيل في ديانته ومعتقده، وحتى في نياته السرية او في مجالسه الخاصة كان يصد التضخم الطائفي والغرور الاعتقادي، وقد دفع إلى ذلك كراهية وضغطاً (قانونياً) الا انه هرب من الابواب الخلفية ونجا بجلده وبعقله وبوجدانه.. وتسألني لماذا  كان جلال الحنفي لا طائفياً، فسأقول لك انه مظلوم، والمظلوم ليس بطائفي، ولانه ثانياً: يدرك المغزى الجوهري للدعوة الاسلامية، ويدرك ان الاسلام في كل تشريع جاء موحداً ويبشر بتوحيد الوسيلة لتوحيد الغاية..!{ وهل ظهرت عليه بعض الافكار الالحادية كما زعم حساده...؟- لأنه يعارض بعض رجال دين في تفسيراتهم للسلوك الديني، رموه بتهمٍ شتى ومنها تهمة الالحاد، في مجالسهم الخاصة وليس في وثائق..{ كيف تقيم الدليل على اشراقية وتوحيدية الحنفي...؟- في اواخر الثلاثينيات وأثناء دراسته في الازهر اصدر الحنفي كتاب (التشريع الاسلامي تاريخه وفلسفته) فلقي ترحيباً ومحبة من لدن علماء الازهر وفي مقدمتهم العلامة (محمد فريد وجدي) حيث كتب عن الكتاب في مجلة الازهر معجباً، قائلاً: (والحنفي ذو عقلية عصرية جمع بين التالد والطريف، فنرجو لكتابه الرواج الذي يستحقه)..وفي سنيه الاخيرة اصدر الحنفي كتاب (معاني القرآن) وهو مجلد ضخم يفسر فيه القرآن بروحه الواقعية وبخبرة الفقيه الكبير، وكان فيه أيضاً شجاعاً تجاوزت شجاعته الادائية شجاعة المفكر المصري سيد قطب في كتابه الكبير (في ظلال القرآن).. وظهر الحنفي في كتابه التفسيري المؤمن الاشراقي الفكرة والاسلوب والرسالة، وفضلاً على ذلك فللحنفي كتب اسلامية اخرى يجذبك اليها بشوق عارم إلى الاسلام كحركة وتاريخ وفلسفة واقعية، ومع ذلك تصادفه في كل واقعياته الاسلامية متواضعاً زاهداً متقشفاً ومن دون دعاوى ضاجة او فارغة..{ من أين جاء بهذه القوة إلي شخصيته وهو لا يملك حكومة اب او عشيرة...؟- قوة روحانية خاصة به، وايمان روحاني ترشح عن قوة بيولوجية فطر عليها، وهذه هي اقدار الرجال، ولو كانت قوته الروحانية هذه تتكئ علي عامل خارجي كالعشيرة مثلاً، فلربما ضعفت في مرحلة وجفت وانتهت في مرحلة تالية.. لكن الحنفي بقي وهو على فراش المرض يصارع الموت، يكتب ويومض ويرهص وينادي وحيداً وحيداً..!{ مكانة والده؟ وهل لاحظت اثراً من والده عليه...؟- وكان والده واسمه (محيي الدين) مجرد رقم في سجله الابداعي، وسألت صديقه الوحيد عبد الحميد العلوجي عن اجداد الحنفي، قال: ان الحنفي صندوق مغلق.. وفعلاً كان الحنفي يتهرب من شبح هذه الاسئلة ومثيلاتها..!{ لماذا تلصق كلمة (الشيخ) به منذ فجر حياته...؟- كان اول من اطلق عليه لقب (الشيخ) هو العلامة الاب انستانس ماري الكرملي في سنة 1933 أي منذ رآه معتماً بعمامة، فاستهواه اللقب وصار بمثابة توقيعه الشخصي..{ ولماذا يسمي الناس المعمم شيخاً...؟- كلمة الشيخ منذ عهد العباسيين كثيراً ما كانت تطلق على العاملين في اكثر من فرع علمي وادبي كالشيخ ابي الفتح عثمان بن جني والشيخ الرئيس ابي علي بن سينا وغيرهما.. فهو لفظ جاوز في معناه هذا ما وضع له في الاطار اللغوي في تعريف تحدد به السن..!{ وكنت اري ذقن الحنفي حليقاً املس بلا لحية وهو الشيخ، لماذا...؟- وسألته السؤال نفسه فأجاب: كنت اتمنى ان تكون لي لحية بطول لحية الاب انستاس الكرملي فانها روعة في عالم اللحى وفيها من الهيبة ما يميز صاحبها مكانة في النفوس ولكن صرفني عن ذلك اكثر من صارف، فأنا امام في المساجد وليس في ذلك كبير شأن يستوجب ان تكون اللحية في وجهه مصونة لدى دوائر الاوقاف والناس، وكان راتبي ضئيلاً ولحية الفقير م