اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > في ذكرى الحنفي البغدادي ..

في ذكرى الحنفي البغدادي ..

نشر في: 19 مايو, 2010: 04:09 م

جلال الحنفي  مفتاح شخصيته، إلى جانب ذكائه ودقة ملاحظته – طموح إلى أن يكون شيئاً في كل شيء وطاقة نافذة إلى كل مسارب القوة والضعف في أي مقولة مسلمة. فإن لم يجد جانب ضعف في المسلمة تلمسه في تصور خصمه لها، وهو واجد ذلك، على – أي حال – في كثير من القراء والمتحدثين إليه..".
رجل قليل المثال نادر الطراز بين الرجال أعطى وطنه وشعبه أكثر مما أخذ، أعطى عصارة فكره وحشاشة قلبه وكتب بنجيع الدم القاني أكثر مما كتب بالمداد الأسود. فإذا استطاع الموت ان يقضي على جسده الفاني – والموت غاية كل حي – فلن يستطيع أن يطوي صفحات علمه الغزير وأدبه النضيد، تلك الصفحات المشرقة والأفكار النيرة التي توج بها هامات البحث العميق والدرس الموضوعي الرصين خلال سبعة عقود كوامل حافلة بالجدال والسجال فقد الف الفقيد الكريم السباحة ضد التيار وهذا بطبيعته قمين بان يخلق له من الأصدقاء والأولياء بقدر ما يخلق له من الخصوم الألداء صمد لهم صمد الواثق ودافع عن آرائه وأفكاره حتى خرج من أكثر هذه المعامع معقود اللواء وضاح الجبين.وإذا كان الخالق - جل وعلا – لم يمنحه بسطة في الجسم فقد عوضه عن ذلك فمنحه بسطة في العلم وفسحة في الأجل استطاع خلالها أن يكتب ويؤلف ويناقش ويساجل حتى في صفحات الجرائد والمجلات وكان له مثول دائم في أغلب الندوات والمجالس الأدبية ومشاركة في كل موضوع يطرح ومداخلة ذكية تعينه على ذلك ذاكرة عامرة لا يعزب عنها حتى الدقائق والجزئيات وذكاء ثاقب لماح وخزين من المعلومات لا يجف معينه ولا ينضب.حدثني الصديق الراحل جميل الشواف قال: قصد الشيخ جلال الحنفي مجلس والده العلامة الشيخ عبد الملك الشواف وفتح معه نقاشاً وحواراً في بعض المسائل الفقهية والشرعية وحين غادر الحنفي المجلس قال الشيخ عبد الملك الشواف على رؤوس الأشهاد من حضار مجلسه ان هذا الشاب الذي رأيتم أعلم المعممين. إن شهادة من الشيخ الشواف، وهو من هو علماً وأدباً – لها أثرها وخطرها وبخاصة إذا علمنا أنه قالها في غيابه وبعد مغادرته المجلس لأنها لا تحتمل المصانعة أو المجاملة.رأيت الشيخ الحنفي أول مرة سنة 1943 وإن كنت سامعاً به ولكن لم أطبق الرسم على الجسم.. وذلك عندما دخلت جامع الآصفية لأداء صلاة الجمعة فارتقى المنبر شاب ذو عمة ضامرة كجسمه الضامر – فرأيت ثم رأيت خطيباً يرتجل الخطبة ارتجالاً فلم يقيد نفسه بالسجع المتكلف أو التغني والتنغيم الذي درج على اتباعه ومراعاته سائر خطباء المساجد فوقع من نفسي موقعاً كريماً وتقبلته بقبول حسن فأكبرت فيه روح التجديد وكسر قيود التقليد فلما انفرط عقد المصلين سألت أحدهم عنه فقال لي أنه الشيخ جلال الحنفي فقلت في نفسي هكذا فليكن الخطباء وإلا فلا. ويبدو ان الشيخ قد تأثر بخطباء المساجد في مصر فقد كان قريب العودة إلى بغداد من بعثة الأوقاف إلى الجامع الأزهر. فقد قفلت البعثة إلى العودة بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبحت مصر هدفاً للغارات الجوية الألمانية.ثم بعد مضي عدة سنوات رأيته يتردد على مكتب مؤرخ العراق الأستاذ عباس العزاوي المحامي في خان الباجه جي الكائن في سوق الساعاتية وهناك عرفته عن كثب وقامت بيننا معرفة ومودة وقد ذكر لي العزاوي أن الحنفي كان من طلابه في دار العلوم وكان – لفرط ذكائه – يثير كثيراً من الأسئلة والنقاش في الصف.ثم تجدد لقائي به في مجلس الأستاذ الأديب الراوية السيد مكي السيد جاسم الذي كان يلتئم شمله في مساء كل ثلاثاء في داره في المأمون. أما المرحلة الأخيرة من لقاءاتي به فكانت في مجلس الأستاذ الأديب الشاعر محمد جواد الغبان الذي ينعقد في داره مساء كل أحد في شارع فلسطين وكان الحنفي من المواظبين على الحضور فقد كان مجلساً عامراً برجال الأدب والفكر في طليعتهم الدكتور علي الوردي والدكتور حسين علي محفوظ وإبراهيم الوائلي والدكتور عبد المجيد القصاب وسالم الآلوسي وعبد الغفار وعبد الغني الحبوبيان والشاعر علي الحيدري وغيرهم الكثير ممن غابت عني أسماؤهم وأسمحوا لي أن أقتبس طرفاً من هذه الصورة القلمية التي رسمها بقلمه البليغ الدكتور عبد الرزاق محيي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي الأسبق فهي من خيرة ما كتب عن الشيخ الحنفي: "والشيخ جلال – بعد – على هزال جسمه وضمور عوده – صعب المراس قوي النفس، يدير الحديث معك – مع أدب وتواضع – بقدرة الواثق من نفسه المعتد برأيه. ياخذ ويعطي، ويسأل ويجيب. ويفتح عليك أبواب الشك فيما أنت مؤمن به غير هائب أن يكسر قاعدة أو يخرج على مسلمة.مفتاح شخصيته، إلى جانب ذكائه ودقة ملاحظته – طموح إلى أن يكون شيئاً في كل شيء وطاقة نافذة إلى كل مسارب القوة والضعف في أي مقولة مسلمة. فإن لم يجد جانب ضعف في المسلمة تلمسه في تصور خصمه لها، وهو واجد ذلك، على – أي حال – في كثير من القراء والمتحدثين إليه..". كنت في صيف 1961 أتردد على مكتبة المتحف العراقي بغية الوقوف على بعض المراجع التي احتاجها في إعداد كتاب عن جميل صدقي الزهاوي فإذا بالشيخ الحنفي يأخذ مقعده إلى جانبي ويسالني عما أن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram