عبد الوهاب الحماديفي مايس 1991 اقبل الحنفي الى المتحف البغدادي ليستمع الى محاضرة يلقيها الدكتور علي الوردي، بعد الاحداث الدامية التي تلت حرب الخليج الثانية، وانسحاب العراق من الكويت، اختيرت احدى القاعات الصغيرة
في الطابق الثاني من المتحف ولكثرة الحاضرين ضاقت تلك القاعة بالجالسين، ما دعا الحنفي الى ان يترك القاعة متذمرا، ويقف مع الوافدين الواقفين في باحة المتحف، وفي الشارع العام بين تمثال الرصافي وجسر الشهداء، اقبل الوردي وما ان شاهد الجمهور الكبير خارج المتحف اعلن بعدم القاء المحاضرة لضيق المقام وعدم تهيئة المكان المناسب ليتسع لهذا الجمهور الكبير المتلهف لما يقوله العالم الجريء الوردي وتلافيا لهذا الموقف المحرج ومطالبة الحنفي بتغيير المكان اعلن امين بغداد بان المحاضرة سوف تكون في القاعة الكبيرة من امانة بغداد في ساحة الخلاني وهيئت سيارات خاصة لنقل الجمهور الى هناك وعلى رأسهم الشيخ جلال الحنفي وقام امين بغداد بنقل الوردي بسيارته الخاصة وكنت مع الوردي باعتباري من معارفه واحد طلابه في كلية الاداب، ازدحمت القاعة بالحاضرين وبدأ الوردي المثير للجدل، يتحدث عما عاناه الشعب العراقي من مأس وآلام في محرقة الحروب المتتالية (ايران والكويت) التي ادت الى الفقر والجوع والتشرد، ومصرع اكثر من مليون عراقي وهجرة اربعة ملايين عراقي الى المنافي وخارج العراق، فضلا عن عشرات الالاف من المعوقين والجرحى والارامل والايتام. وفجأة قام احد كبار المسؤولين (حينذاك) بوضع مسجل امام الوردي! فسأله الوردي ما هذا؟ اجاب بان رئيس النظام يريد ان يسمع ما يقال، وهنا بدأ الوردي يهاجم السلطة بشدة، قائلا: ان هذه الحروب وغزو الكويت ونهبه هي من صفات البداوة المتغلغلة في نفوس الحكام والمجتمع في العراق والغزو من صفات البدوي النهاب الوهاب، وهؤلاء من اسلاف القبائل البدوية التي اتت من خارج العراق وسكنت بغداد والعراق بعد ان اجتاحت بغداد الاوبئة والفيضانات ومرض الطاعون العام 1830 وقضى على ثلثي السكان. كان الوردي كعادته، مثيرا للجدل والاثارة فقام احد المسؤولين الكبار بالرد عليه وتهديده علنا امام الجمهور وكان الوردي شجاعا رابط الجأش وكاد يحدث ما لم تحمده عقباه، وهنا قام الشيخ جلال الحنفي وتكلم بصوت هادئ فيه بين النقد والمديح وكان كلام الحنفي بردا وسلاما وانتهت المحاضرة الصاخبة بهدوء وسلام مودعين العلماء الكبار الحنفي والوردي، وكاد الوردي يعتقل بعد تلك المحاضرة المنددة بالحكام الظلمة الا ان السلطة الحاكمة خافت من اثارة الرأي العام وبدأت بمحاربة الوردي سرا وعلانية ومنذ اوائل التسعينيات بدأت ابحث واتقصى ما يدور بين الوردي والحنفي من مناقشات ومساجلات ففي مجلس محمد جواد الغبان الادبي يشتد النقاش وبينهما ما صنع الحداد، الحنفي معجب بمنطق ارسطو اما الوردي فيقول ان هذا ولى زمانه ولا يصلح للعصر الحديث الحنفي يقول: ان علم (الباراسيكولوجي) (خزعبلات وخرافات) ويعارضه الوردي، حيث يسميه (الخارقية) ويعتبر الوردي الرائد في هذا العلم، في العالم العربي بكتابه (خوارق اللاشعور) وهكذا تستمر النقاشات والمجادلات بين الوردي والحنفي وتحسم من صاحب المجلس بجلبه مصدرا او كتابا يؤيد ويخالف رأي احد طرفي الخلاف وفي اليوم التالي تظهر هذه المناقشات على صفحات الصحف المحلية ليتمتع القراء باراء وافكار العلماء والادباء الكبار.في 4 اب 2004 حضر الحنفي الى مجلس الشعرباف الثقافي، ليستمع الى كاتب السطور بمحاضرة عن الوردي بمناسبة الذكرى التاسعة لوفاته ومما جاء في المحاضرة ان الحنفي استراح من الجدل والمناقشة بعد رحيل الوردي. وبعد انتهاء المحاضرة تكلم الحنفي قائلا ( لا والله اني لم افرح لوفاة الوردي وانما هو كان صديقي وجمعتني به المئات من اللقاءات والمجالس والمناسبات وان الخلاف لا يفسد للود قضية). من مذكرات الحنفي يقول: في العام 1974 دب الخوف والهلع بين اهالي بغداد لظهور (ظاهرة ابو طبر) وهو مجرم يقوم بالسطو على البيوت وقتل الناس الامنين بالالة الحادة (الطبر)، ولهذا سمي هذا المجرم ابو طبر واخذت الصحف حينذاك تنشر عن جرائمه المريعة في الذبح والقتل والسرقة، ما ادى الى ان اكثر العوائل البغدادية تتجمع في دار واحدة لكي تأمن من الذبح والقتل والسرقة، بعد فترة اعلن عن اعتقال هذا المجرم وظهر على شاشة التلفزيون ليروي جرائمه على مسمع المشاهدين يقول الحنفي: قام الدكتور علي الوردي بتقديم طلب الى السلطات المسؤولة بالسماح له بمقابلة هذا المجرم ودراسته من الناحية النفسية والاجتماعية، ومعرفة الدافع لهذه الجرائم الفظيعة لكي يتحاشاه المجتمع العراقي مستقبلا يقول الحنفي: ان السلطات لم توافق على مقابلة الوردي (لابو طبر) ولو تسنى للوردي دراسته لقدم لنا بحثا مفيدا لتحاشي الجريمة والمجرمين ويقول بعض الخبراء ان (ابو طبر) شخصية وهمية خلقتها السلطة الحاكمة رحم الله الشيخ الحنفي ولا يسعني في رثائه الا ان نردد ما قاله الشاعر الرحماني:- ولان رحلت فكلنا في رحلة ونهاية الترحال حتما اتية واه لهذا العمر فهو قصيدة مكسورة في وزنها والقافية هذه المادة نشرت بعد
استذكار ..جلال الحنفي البغدادي
نشر في: 19 مايو, 2010: 04:16 م