اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > الشيخ جلال الحنفي ذاكرة بغداد الشفاهية

الشيخ جلال الحنفي ذاكرة بغداد الشفاهية

نشر في: 19 مايو, 2010: 04:19 م

خالد السلطاني بموت  الشيخ جلال الحنفي ( ولد سنة 1915) البحاثة البغدادي المعروف ، خسرت بغداد " ذاكرتها " الشفاهية ، وحافظ معجم لغتها الدارجة المحكية والمولع بتراثها الغنائي والبنائي ؛ والصفة الاخيرة هي التى جمعتنا معا ، هو العارف بمحلات بغداد وسكانها
و " ابنيتها " الشعبية ، وانا التائق الى معرفة المزيد من ذلك المنجز الرفيع والابداعي ، والمنسي مع الاسف ، الذي ندعوه " العمارة العراقية الحديثة " ..تعرفت على الشيخ جلال الحنفي ،الذي يحب ان يكنى " بالبغدادي " في اوائل الثمانينيات باحد اللقاءات الثقافية في بغداد ، ووجدته كما كنت سابقا اسمع عنه ملما ً بتضاريس خريطة المحلات البغدادية ، والعارف بجغرافيتها وحدودها ، والحافظ لتسمياتها وكيفية نطقها الصحيح ؛ ويعرف العراقيون و" البغادة " خصوصا ان اسماء محلات المدينة العريقة هي خليط غريب عجيب من لهجات ولغات وثقافات واديان متنوعة كتنوع سكان هذه المدينة " الكوزموبوليتانية " بامتياز . فاسماء محلات مثل تبة الكرد والقرغول وعزات طويلات والبارودية وقره شعبان وباب الاغا والتورات والجوبة والقاطرخانه وتحت التكية والطاطران وباب الشيخ وصبابيغ الال والكولات وعقد النصارى وسوق حنون والسيف وخضر الياس وسوق العجيمي وست نفيسة وقنبر علي وابو سيفين وغيرها من المحلات التى ترد دائما على لسان الحنفي بتهجئتها السليمة ونطقها الصحيح ، تبدو الان وكأنها تسميات غريبة لغويا على مسامع البغداديين المحدثين ، انها تسميات يجهلها الكثيرون ومنسية من قبل الكثيرين ، ساهم في نسيانها حملات التغيير العاتية المتعمدة التى شنها النظام الصدامي التوتاليتاري المقبور . كنت ازوره في مقر اقامته " بجامع الخلفاء " ، لم يكن هذا مسكنه ، مسكنه يقع في مكان آخر بعيد ، لكنه جعل من احدى الغرف العلوية في المسجد مقرا له ولمكتبته ، وبعد لقاءات عديدة معه اقتنعت ، صدقا ، بانه غير مطلع تماما على موضوعي واهتماماتي . ولم افاجأ في ذلك ؛ " فمنجز العمارة العراقية الحديثة " محيرّ ومشوب بالضبابية : محيرّ لان واقعة ظهوره تزامنت مع " الاحتلال " ابان سنوات الحرب الاولى ، ونظر الكثيرون لطلائع المباني الحداثية التى نفذها المعماريون / الضباط اولا ، والمعماريون موظفو الدولة العراقية لاحقا ً، نظروا اليها بنوع من الريبة وعدم التقبل بسبب اهدافها الوظيفية التى لم يسمعوا عنها سابقا ، الوظائف التى تزامن ظهورها مع تأسيس الدولة الفتية ، ومشوب بالضبابية بسبب اساليب تكوينات تلك المباني الجديدة التى اعتبروها بديلا او تهشيما للتقاليد البنائية الموروثة التى يعرفونها ويمارسونها . واعتقد ان حضورهذين الموجبين لوحدهما كانا كافييّن ليعملا على " تغريب " المنتج المعماري الحداثي بالعراق وفقدان الاهتمام به من قبل غالبية المهتمين بالشأن الثقافي ، الامر الذي ساهم بشكل وبآخر على عدم شيوع " ثقافة العمارة " وحصرها في نطاق نخبوي ضيق ومنفصل عن حراك ابداعات المنجز الثقافي العراقي بتجلياته المتنوعة والمعروفة لدى الكثيرين ... لكن كل هذا ليس مقامه الان ، فالمقام مكرس لكلمات في وداع الشيخ البغداي المعروف ! " حين يرحل احدنا ، فجأة ، في مغيبه الاخير ، تهبط في مثل الفجاءة ايضا ، ستارة عجيبة ، تفصل الشخص عن النص ، وتميل بالميزان لمصلحة النص ، كأن غياب الشاعر مستلزم لحضور النص ، نصه هو .. " ؛ كتب يوما ما " سعدي يوسف " عن رحيل شاعر الى مثواه الابدي !اعترف باني غير ملم على وجه الدقة في الكتابة عن مؤلفات الشيخ الحنفي واهتماماته الشعرية والموسيقية ، وعن معارفة الغزيرة في التجويد والعروض ، رغم هبوط تلك " الستارة العجيبة " الفجائية اياها ؛ لكني وددت بمناسبة وداع الشيخ الحنفي ان اتذكر تلك الالتماعات الذكية التى وجدتها عند الشيخ الجليل في زياراتي المتباعدة له في محلة " سوق الغزل " عند جامع الخلفاء . فالرجل وان بدا وقورا بحكم السن والوظيفة : كامام لجامع ، كان لا يفتأ يجادل جيرانه سكنة وبائعي الطيور في محلة سوق الغزل الواقع " جامعه " في ارضها ، هم المتسمون بالمبالغة حد الكذب الصريح ، ، يجادلهم ويحادثهم في لغتهم البغدادية ذات الوقع الموسيقي الخاص . وكنت اصغي باعجاب وهو يستخدم ضروب التورية والتشديد والمبالغة والتشبيه لمفردات لم اسمع بها سابقا ، بيد انها مفهومة ومقبولة من " الاخر " الذي يتحادث معه ، و" الاخر" هنا – " المطيرّجية " مربو واصحاب وعشاق وبائعو الطيور والحيوانات الاليفة .. وغير الاليفة . وعندما كنت ابدي اعجابي بطريقة كلامه ، كان يرد علي ّ ضاحكا بان في جعبته الكثير منها ، وان " اشقياء " محلة " سوق الغزل " والمحلات المجاورة لها ، المشهورين في سلاطة السان يصغون ويحتاجون اليه في تعزيز " معجمهم " المفرداتي في اللهجة البغدادية الاصيلة . في قيظ بغداد " الظهري " ، عندما ازوره في الجامع ، اعرف مسبقا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram