اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > كتب تاريخ بغداد..وتعلم الموسيقى وأرخ للمقام العراقي

كتب تاريخ بغداد..وتعلم الموسيقى وأرخ للمقام العراقي

نشر في: 19 مايو, 2010: 04:20 م

رشيد الخيُّون * اتخذ الشيخ جلال الحنفي موقفاً جميلاً من أهل الأديان والأفكار الأخرى. كان منفتحاً على صديق يهودي مثل مير بصري، وآخر مسيحي مثل الأب أنستاس ماري الكرملي، وآخر مثل التراثي اليساري هادي العلوي
يبدو الشيخ جلال الحنفي (1914-2006)، وهو يطوي شوارع بغداد وأزقتها بجلبابه وعمامته الضامرة، كأنه أثر عباسي يُذكر بشيوخ علم الكلام وفقهاء المناظرات، التي كانت تُعقد بدار الخلافة أو بصحن المدرسة المستنصرية، وقد تداخلت الأزمنة فتأسست مجالس أدب وفكر كان الشيخ نجمها اللامع. ويجد الناظر في سلوك الشيخ، وفي مؤلفاته أنه أمام رجل دين من طراز آخر، حاول الجمع بين الدين والدنيا جمعاً مريحاً، توسطاً واعتدالاً، ولم يصل إلى لحظة تسييس العلاقة بينهما. تبوأ الحنفي، منذ شبابه وحتى شيخوخته، الوظائف الدينية بمساجد بغداد، والقضاء في محاكمها الشرعية، والتعليم في مدارسها، إلى جانب العمل في الصحافة، والبحث في مختلف المجالات التاريخية والأدبية، إضافة إلى كونه محققاً وشاعراً وعازفاً موسيقياً. ولم تكن تمر بالشيخ ظاهرة إلا ويوثقها، ببحث أو كتاب. وعندما وصل إلى الصين مبعوثاً لتعليم العربية (1966)، عاد إلى العراق بمسودة لقاموس بالمفردات الصينية دونها بحروف عربية، ولم يتمكن من إتمام تأليفه لضعف بصره، حسب ما ورد في سيرته الملحقة بكتابه «شخصية الرسول الأعظم قرآنياً». وقيل: ظل الشيخ يتحدث باللغة الصينية مع زوجته العراقية التي كانت تعمل في سفارة العراق بالصين. وحصل أن سمعه رقيب الهواتف يتحدث بهذه اللغة مع أهله، فشك في أمره، وقال له: أتتحدث ياشيخ بلغة الطيور؟ وقطع عليه سلك الهاتف.حاول الشيخ تدوين ما استطاع من تراث بغداد. ومن دون حرج، وهو رجل الدين الذي لم تفارقه عمامته الضامرة كما وصفها صديقه الأديب عبد الحميد الرشودي، كان يلتقط الألفاظ البذيئة من أفواه الناس، على أمل أن يجمعها في جزء ثالث من أجزاء كتابه «الأمثال البغدادية»، لكنه ظل مخطوطاً، فربما لم يكن قادراً على تحمل مواجهة الناقدين، لذا ترك أمره لورثته. وربما تعرض الشيخ للنقد على اهتمامه في الموسيقى، الذي تعدى سماعها إلى تعلم العزف على آلاتها. وهنا اقتبس من كلمة الرشودي في تأبين الشيخ، ناقلاً عما كتبه في أحد دفاتره، وكان يستعد لتأليف كتابه «المقام العراقي وأعلام الغناء البغدادي»، لكن ما ورد لم ينشر للأسف في الكتاب المذكور. قال: «بعد الاتكال على الله انتميت إلى معهد السيد محمد الحسيني في الموسكي، لتعلم فن العزف على العود، وقد دفعت له القسط الأول وقد أرخ ذلك سنة 1940». قال الرشودي: «وهذا الصنيع يدل على أن الشيخ يرى رأي حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في حلية السماع، ما دام لا يشغلك عن عبادة ربك ولا يدعو إلى المجون والفجور. لأن الغزالي يرى الغناء والموسيقى ما هما إلا محاكاة لعندلة البلابل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير، وهما من صنعة الله جل وعلا. فضلاً عن أن السماع يشجع الجبان ويندي كف البخيل الشحيح، ويوقظ المشاعر النبيلة في نفس الإنسان. ثم يخلص الغزالي إلى القول: فمن لم يرقه السماع فهو مختل المزاج ولا يجدي معه العلاج» (كلمة التأبين، جريدة المدى البغدادية). وإن كان هذا رأي حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، فلعالم دين معاصر من أئمة الشيعة رأي مشابه في سماع الألحان. قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1954)، أحد أهم مراجع النجف في الثلاثينيات وحتى النصف الأول من عقد الخمسينيات: «الغناء، سواء رافقته آلات الطرب الموسيقي أم لا، مباح، ما لم يستخف لسامع إلى حد يخرج معه عن الكمال، فهو إذ ذاك مشروع» (الخاقاني، شعراء الغري 8 ص155). وللشيخ المذكور ما هو أجرأ من ذلك، في بيئة مقفلة، إلا أنه كان يخشى تحريك العوام ضده. قال: «إن في صدري لعلماً جماً أخشى أن أبوح به من الشياطين الذين يوجهون العوام وفق مقاصدهم» (المصدر نفسه، ص 117).بعد هذا التيسير اتخذ الشيخ جلال الحنفي موقفاً جميلاً من أهل الأديان والأفكار الأخرى. كان منفتحاً على صديق يهودي مثل مير بصري (ت 2006)، وآخر مسيحي مثل الأب أنستاس ماري الكرملي (ت1947)، وآخر مثل التراثي اليساري هادي العلوي، وربما تحادثا بالصينية معاً، فكلاهما علم العربية بالصين وتعلم لغة تلك البلاد. وكم تبدو الحاجة ماسة في عراق التناحر الطائفي لشيخ مثل جلال الحنفي، وهو مثلما وصفه بصري «رجل دين متسامح واسع الأفق» (أعلام الأدب في العراق الحديث). كان يُسعد بتقديم لمؤلفاته بقلم الشيخ محمد رضا الشبيبي (ت 1965). وقال في الشبيبي: «ولزام أن أثني الثناء الكبير على الأستاذ العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي لتفضله بتقديم الأمثال البغدادية، ومثل الشبيبي غنيٌ فضله ومقامه عن التعريف»(الأمثال البغدادية). وللحنفي صداقات متينة مع علماء ووجهاء شيعة آخرين، قد تسقط فيها تكاليف المجاملة. أخبرني الباحث والشاعر إبراهيم العاتي، أن والده الشيخ النجفي عبد الزهرة العات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram