TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > ممدوح عدوان وطفولات مؤجلة

ممدوح عدوان وطفولات مؤجلة

نشر في: 21 مايو, 2010: 04:24 م

صلاح فضلللشام نكهة طرية عبقة, ‏ تضوع بفوح الزهور ورفيف الطيور‏, ‏ تضج بالصبا والصبوات‏, ‏ تفطر في حلب بالشعر والزعتر‏, ‏ وتتغذي في منازه الغوطة بالغنج والدلال‏, ‏ وتسمى في مقاهي بيروت ودمشق على حكايات الوجد وحلقات الرقص المشتعل في دوائر الشباب والكبار على غير انتظار‏.‏
هذا الشام الكبير, ‏‏ قبل تقطيع أوصاله‏, ‏ كان دائما أرض الفن والعشق والخيال‏.‏ كان للمرأة فيه فضاء من الحرية لم تعرفه الأنثى, ا‏لعربية في موطن آخر‏, ‏ فأضاءته بحضورها الشهي الباهر‏, ‏ ومنحته أنغاما من موسيقي الكون لم تصدح سوى في فضائه‏, ‏ فألهمت شعراءه فيضا من جمال الروح وحلاوة الأداء قلما تتوافر لغيرهم‏.‏ ومن حسن الحظ أن اللغة ـ وهي وطننا الذي نسكنه, ‏‏ وعقلنا ووجداننا الذي نستبطنه ـ تيار واحد‏, ‏ ما يصب في جداولها في جميع البقاع يتدفق بسلاسة عبر شرايين الثقافة العربية من دون حدود‏, ‏ فنرتوي جميعا منه‏.‏rnوقد سعدت بإصدار مكتبة الأسرة ديوان الشاعر السوري المبدع ممدوح عدوان طفولات مؤجلة‏, ‏ وهو شاعر وكاتب مسرحي ومترجم إعلامي‏, ‏ بلغ الستين من عمره ولا يزال في خصوبة الشباب وتوقده‏, ‏ وقد تسنم ذروة نضجه دون أن ينشر له في القاهرة فيما أعلم ديوان واحد‏, ‏ فيأتي مشروعنا الرائد في القراءة لجميع المبدعين ليحتضن أبناء اللغة‏/‏ الوطن في موجة تحنان وتواصل جميل‏.‏وبوسع القارئ أن يرى في ديوان ممدوح عدوان صورة الشام وصبواتها‏, ‏ حلاوة بلاغتها وجرأة كلماتها‏, ‏ وفيض رقتها وهي تعزف مقطوعات العشق التي جفت في حلوقنا أنغامها‏, ‏ كما أن بوسعه أن يستمتع بغمزاتها السياسية وإشاراتها الذكية لعناصر الطبيعة وتقلبات الحياة‏.‏ rnصبوات الشام‏:‏لأن الديوان بعنوانه المثير لا يقتصر على الطفولات فحسب‏, ‏ بل يجر في مختاراته أشجان الكهولة ليعبر عنها ببراءة ودهاء معا‏, ‏ فإننا نلمح فيه عدة وجوه‏, ‏ ربما كان أشدها نضرة ما يمثل نزوات الشباب‏, ‏ ويجسد ملامح المجتمع‏, ‏ ويكشف عن طفولة الروح الشعري في مثل قوله‏:‏ـ كانت ترفرف فوق مقعدها وتزقوكي تري الرمان ينضج في روابيهاتريني الخمر ينضج من دواليهاوكان الطلع ينبع فائراوالليل ينثره عبيرا غام‏/‏ينفر من تويج الحسنيدعو سرب نحل هائم بين الطلول‏..‏كانت تراسلني بإشعاعات فورتهاترفرف وهي تدعوني‏/‏فأسمع نبضها مثل الطبولراحت ترفرف وهي توهم أنها تلهووتغضي عن حرائق أشعلتهاأو حرائق أضرمت فيها‏.‏وتنثر فتنة‏, ‏ ووميض شهواتتلامع فوق موجات تطول‏.‏بدأت تصوب‏,‏ ثم تطلق في الفضاعصفور ضحكتها‏,‏ يحوم بغنجه نحويأنشد بالخيط الذي سحبته من طيشوأخرس‏..‏ لا أقول‏..‏ إلى آخر هذه الغزلية البديعة‏,‏ التي ترصد لحظات الافتتان بين الرجل والصبية‏,‏ في موجاتها المتعاقبة وتترجمها الى لغة عاشقة متحركة‏,‏ تصنع موسيقاها وهي توقع على أوتار غافية في ضمير الشعر المعاصر‏,‏ إذ لم نعد نقرأ مثل هذه الصياغة العذبة لأحلام الشباب‏.‏وإذا كانت عمليات التخييل والتصوير هي محور تشكيل الشعر فإنها تنجح في تمثيل التجربة الخاصة بقدر ما تكتشف في مستواها العميق القدر المشترك مع تجارب الآخرين‏, ‏ لكن يظل الملمح البارز في هذا المشهد والذي يعبر عنوان القصيدة عنه بدقة لافتة تخاطر هو تراسل إشعاعات الدعوة والفتنة بين الطرفين‏, ‏ فلغة العيون والقلوب لا تصح بدون أطراف على قدر كبير من توافق الروح وتخاطر الوجدان‏, ‏ وخاصية هذا التشبيب الشامي الطريف أنه يمثل الأنثى وهو يصدر عن الرجل‏, ‏ حيث يمتلك كفاءة التقاط إشاراتها والحفاوة بلغة جسدها والاستجابة الولهى لغواية افتتانها‏.‏rnمسرحة الحياة‏:‏ولأن ممدوح عدوان كاتب مسرحي‏,‏ فإنه يعمد في أشعاره الى تشكيل مشاهد دالة على تحولات حياته العاطفية عبر رحلة العمر‏.‏ مصورا ما يعتري مشاعر الوجد والشبق واللهفة من تغيرات بفعل المعاشرة والزمن‏.‏ وهذا جانب قلما فطن الشعراء الى تمثيله بحساسية جديدة‏, ‏ يحتاج الى الاعتراف بتقلبات القلوب والقدرة على تجسيدها بشكل فني رائق‏, ‏ لا يقع في المبالغات المألوفة‏, ‏ بل يمس أهواء الوجود الفعلى بحنو وفطنة‏, ‏ يقول شاعرنا مثلا في ق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram