صلاح فضلللشام نكهة طرية عبقة, ‏ تضوع بفوح الزهور ورفيف الطيور‏, ‏ تضج بالصبا والصبوات‏, ‏ تفطر في حلب بالشعر والزعتر‏, ‏ وتتغذي في منازه الغوطة بالغنج والدلال‏, ‏ وتسمى في مقاهي بيروت ودمشق على حكايات الوجد وحلقات الرقص المشتعل في دوائر الشباب والكبار على غير انتظار‏.‏
هذا الشام الكبير, ‏‏ قبل تقطيع أوصاله‏, ‏ كان دائما أرض الفن والعشق والخيال‏.‏ كان للمرأة فيه فضاء من الحرية لم تعرفه الأنثى, ا‏لعربية في موطن آخر‏, ‏ فأضاءته بحضورها الشهي الباهر‏, ‏ ومنحته أنغاما من موسيقي الكون لم تصدح سوى في فضائه‏, ‏ فألهمت شعراءه فيضا من جمال الروح وحلاوة الأداء قلما تتوافر لغيرهم‏.‏ ومن حسن الحظ أن اللغة ـ وهي وطننا الذي نسكنه, ‏‏ وعقلنا ووجداننا الذي نستبطنه ـ تيار واحد‏, ‏ ما يصب في جداولها في جميع البقاع يتدفق بسلاسة عبر شرايين الثقافة العربية من دون حدود‏, ‏ فنرتوي جميعا منه‏.‏rnوقد سعدت بإصدار مكتبة الأسرة ديوان الشاعر السوري المبدع ممدوح عدوان طفولات مؤجلة‏, ‏ وهو شاعر وكاتب مسرحي ومترجم إعلامي‏, ‏ بلغ الستين من عمره ولا يزال في خصوبة الشباب وتوقده‏, ‏ وقد تسنم ذروة نضجه دون أن ينشر له في القاهرة فيما أعلم ديوان واحد‏, ‏ فيأتي مشروعنا الرائد في القراءة لجميع المبدعين ليحتضن أبناء اللغة‏/‏ الوطن في موجة تحنان وتواصل جميل‏.‏وبوسع القارئ أن يرى في ديوان ممدوح عدوان صورة الشام وصبواتها‏, ‏ حلاوة بلاغتها وجرأة كلماتها‏, ‏ وفيض رقتها وهي تعزف مقطوعات العشق التي جفت في حلوقنا أنغامها‏, ‏ كما أن بوسعه أن يستمتع بغمزاتها السياسية وإشاراتها الذكية لعناصر الطبيعة وتقلبات الحياة‏.‏ rnصبوات الشام‏:‏لأن الديوان بعنوانه المثير لا يقتصر على الطفولات فحسب‏, ‏ بل يجر في مختاراته أشجان الكهولة ليعبر عنها ببراءة ودهاء معا‏, ‏ فإننا نلمح فيه عدة وجوه‏, ‏ ربما كان أشدها نضرة ما يمثل نزوات الشباب‏, ‏ ويجسد ملامح المجتمع‏, ‏ ويكشف عن طفولة الروح الشعري في مثل قوله‏:‏ـ كانت ترفرف فوق مقعدها وتزقوكي تري الرمان ينضج في روابيهاتريني الخمر ينضج من دواليهاوكان الطلع ينبع فائراوالليل ينثره عبيرا غام‏/‏ينفر من تويج الحسنيدعو سرب نحل هائم بين الطلول‏..‏كانت تراسلني بإشعاعات فورتهاترفرف وهي تدعوني‏/‏فأسمع نبضها مثل الطبولراحت ترفرف وهي توهم أنها تلهووتغضي عن حرائق أشعلتهاأو حرائق أضرمت فيها‏.‏وتنثر فتنة‏, ‏ ووميض شهواتتلامع فوق موجات تطول‏.‏بدأت تصوب‏,‏ ثم تطلق في الفضاعصفور ضحكتها‏,‏ يحوم بغنجه نحويأنشد بالخيط الذي سحبته من طيشوأخرس‏..‏ لا أقول‏..‏ إلى آخر هذه الغزلية البديعة‏,‏ التي ترصد لحظات الافتتان بين الرجل والصبية‏,‏ في موجاتها المتعاقبة وتترجمها الى لغة عاشقة متحركة‏,‏ تصنع موسيقاها وهي توقع على أوتار غافية في ضمير الشعر المعاصر‏,‏ إذ لم نعد نقرأ مثل هذه الصياغة العذبة لأحلام الشباب‏.‏وإذا كانت عمليات التخييل والتصوير هي محور تشكيل الشعر فإنها تنجح في تمثيل التجربة الخاصة بقدر ما تكتشف في مستواها العميق القدر المشترك مع تجارب الآخرين‏, ‏ لكن يظل الملمح البارز في هذا المشهد والذي يعبر عنوان القصيدة عنه بدقة لافتة تخاطر هو تراسل إشعاعات الدعوة والفتنة بين الطرفين‏, ‏ فلغة العيون والقلوب لا تصح بدون أطراف على قدر كبير من توافق الروح وتخاطر الوجدان‏, ‏ وخاصية هذا التشبيب الشامي الطريف أنه يمثل الأنثى وهو يصدر عن الرجل‏, ‏ حيث يمتلك كفاءة التقاط إشاراتها والحفاوة بلغة جسدها والاستجابة الولهى لغواية افتتانها‏.‏rnمسرحة الحياة‏:‏ولأن ممدوح عدوان كاتب مسرحي‏,‏ فإنه يعمد في أشعاره الى تشكيل مشاهد دالة على تحولات حياته العاطفية عبر رحلة العمر‏.‏ مصورا ما يعتري مشاعر الوجد والشبق واللهفة من تغيرات بفعل المعاشرة والزمن‏.‏ وهذا جانب قلما فطن الشعراء الى تمثيله بحساسية جديدة‏, ‏ يحتاج الى الاعتراف بتقلبات القلوب والقدرة على تجسيدها بشكل فني رائق‏, ‏ لا يقع في المبالغات المألوفة‏, ‏ بل يمس أهواء الوجود الفعلى بحنو وفطنة‏, ‏ يقول شاعرنا مثلا في ق
ممدوح عدوان وطفولات مؤجلة
نشر في: 21 مايو, 2010: 04:24 م