TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محنة اللغة واضطراب البناء فـي رواية سرير الأستاذ

محنة اللغة واضطراب البناء فـي رواية سرير الأستاذ

نشر في: 21 مايو, 2010: 04:49 م

سعد محمد رحيم أن تنجز رواية ناجحة عليك بدءاً أن تُحسن اختيار شخصياتها الرئيسة منها والثانوية، تلك التي عبر فعلها وصراعاتها سيتخلق متن السرد وشكله. هذا هو شرط النجاح الأول. لكن هذا، وحده، لا يكفي قطعاً، ويمكن أن يفضي إلى فشل ذريع إذا ما أخفقت في التعامل معها فنياً من حيث رسم الشخصيات ووضعها في مواقف محددة تتكشف من خلالها ملامحها وطبيعتها ورؤاها.
 ومن ثم جعلها تنمو، إلى أن تتوضح، في النهاية، صورتها كاملة، كما لو أنها من لحم ودم. وهذا هو شرط النجاح الثاني.   في رواية ( سرير الأستاذ )* أفلح محمد مزيد في تحقيق الشرط الأول فاختار شخصيات من صميم الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي في حقبة عاصفة من تاريخ العراق الحديث. كان بإمكانه أن يشيد منها، في تناقضاتها وصداماتها وتفاعلاتها، معماراً روائياً مميزاً لولا أنه استخف بالشرط الثاني، أو لم يمتلك الأداة الفنية لغةً وأسلوباً وبناءً سردياً للإيفاء بمتطلباته، ما قاده إلى هدر الشرط الثالث والحاسم، وهو خروج القارئ منها، بعد القراءة، بانطباع مؤداه أن سرد الأحداث التي تمحورت حولها الرواية مقنع. فعلى الرغم من أن الرواية تعتمد الواقعية والمباشرة التي تقترب، أحياناً، من التسجيلية إلاّ أنها تفتقر، في الغالب، إلى عنصر الإقناع وهو العنصر الأهم الذي يمكن أن يغري القارئ بالاستمرار في القراءة  حتى الصفحة الأخيرة.   تقوم الرواية على ثيمة مركزية، أو هكذا يريد الكاتب أن يصوّر لنا الأمر، هي الانتقام.. تجيء فائزة من البصرة إلى بغداد، يوم كانت الحرب العراقية الإيرانية مستعرة، وفي ذهنها شيء واحد هو الانتقام من الرائد عماد الذي أرسل شقيقها الجندي إلى مكان خطر في جبهة الحرب فقُتل هناك. أما كيف ستنتقم ومن سينتقم لها؟ فهنا المفارقة. تسعى فائزة للوصول إلى الأستاذ، ابن رئيس الدولة الديكتاتور.  والغريب أن لفائزة تجربة سابقة بهذا الخصوص في البصرة حين يزور الأستاذ المعهد الذي تدرس فيه فتحاول عن طريق أحد أفراد حمايته مقابلته غير أنها تنتهي في كرنفال اغتصاب وتعذيب. إذن كيف تضع يدها في جحر الأستاذ لتُلدغ ثانية وكأنها بلا ذاكرة، وغبية، على الرغم من إيحاءات السارد وتعليقاته حول ذكائها وحذرها ولمّاحيتها. أو تراها تستسيغ الأمر، لعلّةٍ في سلوكها. وأيضاً فإن السارد يقول لنا شيئاً آخر طوال فصول الرواية.    تذهب فائزة إلى مقر لاتحاد النساء، متخصص في اصطياد الفتيات للأستاذ، بحثاً عن عمل. ترتبك في بداية مقابلة مسؤولة الفرع فاتن فتطلب دخول الحمام وهناك تخلع ملابسها وتستحم، ثم تجلس تحت يدي حلاّقة الفرع لتصفف لها شعرها. ومن حقنا أن نتساءل؛ إنْ كان هذا تصرفاً معقولاً!. وخلال المقابلة تلمّح، بحسن نيّة، إلى أن ابن خالتها ( كريم ) الرسام، موجود في البيت؛ أي أنه هارب من العسكرية فيجري اعتقاله في اليوم نفسه.   يلاحقها في أثناء خروجها من مقر الاتحاد أحد أفراد حماية الأستاذ ( اسمه عليان ) فتفلت منه لكنها تعود، في اليوم التالي، لمقر الاتحاد ثانية برجليها، وتعيّنها فاتن سكرتيرة لها وهدفها استغلالها لأمر خاص بها.. تخفيها عن عيون عليان وتسكنها في بيتها في المنصور. لكنها، ويا للتناقض، تذهب بها إلى حفلة في نادي الصيد يحضرها الأستاذ فيراها ويدعوها لتكون ضيفة له. وبقراءتنا للاوعي النص لا نجدها خائفة، أو مترددة، بل أنها كانت تظن بأن فعلتها هذه تقرّبها من مبتغاها وهو الانتقام من الرائد عماد على الرغم من دناءة الوسيلة.    أما ابن خالتها كريم الهارب الذي أُعتقل بسبب غفلتها فقد وضعوه في غرفة في بيت الأستاذ نفسه لأنه رسام ليقوم برسم لوحات لوجه الأستاذ وعائلته!!!. ولا ندري كيف يُسكن رجل حذر مثل الأستاذ يعيش تحت وطأة هاجس أمني ضاغط، شاباً هارباً من العسكرية، ومشكوكاً في ولائه للنظام السياسي القائم، داخل بيته، ويجعل أحد رجاله خادماً له ( للرسام )؟!. وأخيراً في لحظة نزوة يستدعي الرسام كريم ويؤمله بامرأة جميلة وحين تدخل عليه فائزة ( ابنة خالته ) يضطرب في البدء غير أنهما يمارسان الجنس على سرير الأستاذ نكاية به، هو الذي يراقب المشهد عبر كاميرا خفية يعلمان بوجودها. هنا يستشيط الأستاذ غضباً فيدفع بكلابه إليهما لتقوم بالتهامهما على سريره. أعترف بأن النهاية مثيرة، وكان من الممكن أن تكون ناجحة، لولا أن المسارات السردية التي قادت إليها لم تكن مقنعة أبداً، وكذلك طريقة تصويرها. وهذا بعض من التناقضات الأخرى، وهي كثيرة، التي حفل بها النص الروائي:  ـ كريم الرسام المثقف خريج أكاديمية الفنون يقول عن اللوحات الاستشراقية التي يقلّد رسمها بأنها لا معنى لها!. علماً أن كريم لا يبدو من خلال كلامه أنه يمتلك ثقافة فنية عميقة وواسعة. أو لعل الروائي نفسه لا يعرف كثيراً عن تاريخ الفن التشكيلي وتقنياته.   ـ يقول كريم في الصفحة 74 "ما كان يبعث السخرية لدى الآخرين اللذين يمشيان خلفي وهما يكتمان ضحكهما".. كيف يراهما؟.   ـ في الصفحة 76 يخرج الأستاذ من الحمام مترنحاً، لكن تكملة المشهد لا تنبئ بأنه سكران، كما يريد السارد أن يوهمنا، فيجلس ليسأل كريم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram