شاكر لعيبي(1)ترتبط مواضيع الأشعار المُغنّاة اليوم في أعراس العالم العربي بتقاليد ضاربة في القدم ترقى إلى الحضارات الرافدينية خاصة، وإلى الحضارة الفرعونية أيضاً، تدفع تقاليد بلاد الشام والخليج ومصر العُرْسيّة للتفكير في أن طريقة الاحتفاء بالمعرِّسين ليست سوى نسخة حديثة لتقاليد الاحتفاء بالخصوبة االرافدينية خاصة،
وأن العروس ليست سوى نسخة من عشتار القديمة المعروفة عبر نصوصها أو النصوص المرتلة لأجلها ولأجل خطيبها دمّوزي (تموز)، كما حاولنا أن نبرهن في عمل سابق.لقد استمرت التقاليد التاريخية للمنطقة العربية بشكلٍ ما محتفظَةً بطقوسها الحرفيّة والرمزيّة كليهما، خاصة في بلاد الشام وفي أرياف العالم العربي ومناطقه الصحراوية المشاطئة للبحار كما يمكن للمرء التأكد عبر النصوص العرسية الراهنة الوفيرة بالغة الدلالة.في صلب التقاليد العامة في الحضارات الرافدينة تقع فكرة التطهّر الرمزية بالماء، وفكرة انبثاق الخلق كله منه، وهي ترقى إلى العصور السومرية حيث نعرف أن (آيا) كان رباً للمياه ويقدّم جالساً في مقصورة من الماء الجاري، بينما كان أبسو، في أسطورة الخلق البابلية، ممثل المياه العذبة، وكانت زوجته ( تعامت) أو ( تعلمة ) ممثلة لمياه البحر المالحة، العماء، وأيضا (ممّو) الذي لعله يمثل، من دون يقين، السحاب وهو نوع من الماء.قدّس الرافدين الماء واعتبروه أداة للتطهير. وقد كان من تقاليد الطقوس اليومية للمعبد البابلي أن تُغسل تماثيل الأرباب ويُرش المعبد بالماء ليطهّره.إن طغيان شعائر الماء لدى الصابئة المندائيّة يمثل أصلاً رافدينياً، فقد عاشوا على الدوام على ضفاف النهرين دجلة والفرات، واحتفلوا (بالبنجة) بصفتها طقسا دينياً جماعياً تجري فيه احتفالية تعميدهم بالماء الجاري. يشكّل الماء الحي (مياهيي) هنا عنصرا أساسياً، وموضع قدسيّة. ليس كلّ ماءٍ لدى الصابئة مقدٌّساً. فقط الماء الجاري (يردنا)، مانح الحياة والقوة والإخصاب. لا تصحّ العبادات عند الصابئة بدون طهارة (رشامة) الماء. والكلمة صابئة مشتقة من الجذر (صَبَا) الذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، تعمّد، غطّ أو غطس في الماء، وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهي طقس (المصبتا – الصباغة – التعميد) فلذلك نرى أن كلمة صابئيّ تعني (المُصْطَبغ أو المتعمِّد)، وإلى ذلك ذهب المستشرق نولدكه في اشتقاق الكلمة مشدّداً على أنها من صبّ الماء.لقد امتدت طقوس الطهارة الرافدينية والصابئية إلى الديانة اليهودية أولاً، ثم إلى المسيحية عبر المعمودية. فالتعميد بوصفه طقسًا دينياً هو اغتسال رمزيّ بالماء. يرمز التعميد للتطهُّر وغسل الذنوب وبدءِ حياة جديدة. تقوم جميع الكنائس تقريبًا بالتعميد، متابعة في ذلك نموذج القديس يوحنا المعمدان وتعليمات السيد المسيح. في الطقس النموذجي للتعميد النصرانيّ، يصرِّح الشخص الذي يجري تعميده، بإيمانه بالمسيح عيسى. ويمكن أن يقوم الكفلاء، وهم العرّابون، بالتصريح بالإيمان نيابة عن الأطفال. في أغلب الأحوال، ينطق القس أو الكاهن بعد ذلك اسم الشخص ويسكب الماء قائلاً: أعمّدك باسم الأب والابن والروح القدس، أو بكلمات مُشابهة. تقوم معظم الكنائس عادة بسكب أو رش ماء التعميد، بينما تمارس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية عملية الغمر أي تغطيس الشخص في مياه طبيعية كالنهر أو البحر أو الينبوع.متابعةً بذلك التقاليد الرافدينية القديمة عينها.أما في الإسلام فيقع الأصل اللغويّ لشعيرة الوضوء الواجبة على المسلمين في الوضاءة أي الحسن والنظافة والضياء من ظلمة الذنوب وهي النظافة. وهو بالضمّ: الفعل أي فعل الوضوء، وبالفتح هو الماء للتطهُّر الرمزيّ بالأحرى. الوضوء في الفقه هو استعمال ماءٍ طهورٍ في الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدين والرأس والرجلين. و"يُفسَّر الاقتصار على هذه الأعضاء بأنها الأقرب إلى ملامسة الآثام" كما يقول الفقهاء معلنين طبيعته الرمزية الشعائرية الصريحة.
تلويحة المدى: المُستحمّات فـي ينابيع عـشـتـــار
نشر في: 21 مايو, 2010: 04:53 م