TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تركنا نستعيد بعده الذكريات

تركنا نستعيد بعده الذكريات

نشر في: 21 مايو, 2010: 04:57 م

كاظم حبيبتكرس المدى الثقافي صفحتها اليوم لاستذكار الفنان الراحل عبد الرحمن الجابري الذي رحل عن عالمنا الاسبوع الماضي في المانيا بعد معاناة مع المرض..اسهم فيها اصدقاء ومعارف الفنان عبر كلمات تستجلي السيرة الحيانية والابداعية للفنان ومنجزه
الفني الذي امتد لاكثـر من ثلاثة عقود من الزمن..والفنان الجابري من مواليد العمارة عام 1947 وتخرج من اكاديمية الفنون الجميلة منتصف السبعينيات.. عمل رساما ومصمما في العديد من الصحف، واقام العشرات من المعارض الشخصية في العراق والدول الاوربية..واضطر الى مغادرة العراق عام 1978 بعد حملات القمع والتنكيل التي شنها النظام الدكتاتوري ضد المثقفين التقدميين..واستقر في المانيا قبل ان يغادرنا الى الابد.المدى الثقافيrnمات صديقنا أبو عشتار ... مات عبد الرحمن الجابري... " ستبقى لوحات الجابري حية تذكرنا به وتتحدث عن إنسان نبيل أحب الحياة والإنسان وعشق الطبيعة والفن ...". منذ الصباح الباكر نقل لي الزميل فاروق الوادي الخبر المحزن والأليم, خبر وفاة الصديق العزيز عبد الرحمن الجابري. ودون وعي مني اغرورقت عيناي بالدموع وتحشرج صوتي وأنا أساله عن وقت الوفاة وكأنها مهمة بعد أن مات العزيز. لم اصدق الخبر رغم علمي بمرضه, فقد كان قبل فترة وجيزة في بيتي قضينا الليلة في أحاديث ممتعة وذكريات قديمة حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل بعد أن شاركنا معاً في حفل زواج ابنته عشتار من أحد أبناء تونس الخضراء في برلين. كان يبدو بصحة مناسبة وكانت الفرحة في تلك الليلة غامرة إذ أن ابنته العزيزة, تلك الفتاة الجميلة والرقيقة تحتفل بزفافها. أربع لوحات زيتية بحجوم مختلفة تحيط بي في غرفتي وشقتنا رسمها الفنان أبو سلام في فترات مختلفة, بعضها كان هدية كريمة منه وبعضها الآخر اقتنيتها منه ووعدني بخامسة حين أقوم بزيارته في مدينة إقامته بألمانيا, لكنه فارقنا على حين غرة وتركنا نستعيد بعده الذكريات. لوحاته تعبر عن امتلاك هذا الفنان البديع المبتسم للحياة دوماً عن حس مرهف للألوان وحرفية عالية ووعي عميق بالعلاقة بين الضوء والظل, بين المكان والإنسان, بين الإنسان والطبيعة, بين الحب والحياة, بين الغربة والوطن, بين الاستبداد والقسوة والموت والخراب, كل لوحاته كانت تعبر عن حبه الفائق للحياة وللإنسان. مات عبد الرحمن الجابري وترك خلفه عشرات بل مئات اللوحات الفنية التي ستبقى حية لتذكر الناس به وبفنه الأصيل. أرى لوحاته ولا اصدق أنه فارقنا وتركنا بدونه, فقد كان دائماً معنا في كل مكان, كان معنا بمشاعره ولوحاته ونكاته الجميلة, كان معنا بما يحمل من هموم شعبه. كنا في السنتين الأخيرتين نتبادل الأخبار بكثافة أكبر عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف عن أوضاع العراق وعن بعض خيبات الأمل التي يصاب بها الإنسان من جراء ما يجري في العراق من صراعات ونزاعات طائفية مريضة ومقيتة. كان المرض يوجعه وأوجاع العلاج اشد وأمر, ولكن كانت أوضاع العراق هي التي تؤرقه وتحول حياته في لحظات معينة إلى جحيم مرهق ويحاول أن يتغلب عليها بنكتة تجسد واقع العراق الراهن أو بقرص مسكن يساعده على عبور شدة الأوجاع.كان رحمن وطنياً صادقاً ويساريا ثابتاً وماركسياً واعياً وصديقاً ودوداً للضعفاء من الناس, للفقراء, للمقهورين من الناس في كل أرجاء العالم. حين جاء إلى برلين جلب لي معه هدية ثمينة هي عبارة عن لوحة زيتية (150 x سم 150) رسمها في العام 1989 تحمل صوراً رسمت لشهداء الدكتاتورية العسكرية الغاشمة في الأرجنتين وصوراً رسمت الأمهات الثكالى بأبنائهن حيث يرتسم الحزن على وجوههن وهن يطالبن بحكم القضاء العادل ضد الدكتاتورية ورفض إصدار العفو على القتلة منهم. لقد تجلت في هذه اللوحة بألوانها الغامقة وتجاعيد وحركات وجوه الأمهات والسماء ذات الألوان المتداخلة عن أفق مشرق غير بعيد ينبئ بانتصار العدالة الاجتماعية.كانت اللوحة تجسد روحه الأممية التي لا تعرف الحدود دفاعاً حقوق الإنسان وحقوق القوميات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, وضد الاستبداد والقمع والقسوة أينما وجد. الأشهر الأخيرة كتب لي يقول لقد بدأت أرسم لوحات جميلة, لم اعد أرسم ألواناً غامقة, بل حياة فرحة ومرحة وألواناً ضاحكة منطلقاً من مقولة "تفاءلوا بالخير تجدوه!". حين كان راقداً في المستشفى يعالج مرض السرطان الذي أصيب به قبل عدة أعوام, وجهت له رسالة حكيت له فيها عن رجل كان مريضاً بالسرطان ولكنه كان ينظر إلى الحياة بروح إيجابية وقاوم المرض وانتصر عليه, وقلت له أني أثق بانتصارك على المرض أيضاً. أرسلت هذه الرسالة لأكثر من صديق كان مصاباً بالسرطان. فرح بها كثيراً. انتصر لعدة سنوات على مرضه, ولكن في الآونة الأخيرة ضعفت مقاومة حسده ونحل وازدادت الآلام المبرحة عليه فصرعه المرض بعد أن انتشر في جميع أنحاء جسمه ولم يعد قادراً على المقاومة وغادرنا في 12/5/2010 بعد منتصف ليلة حالكة السواد من دون أن يودعنا وأن نمنحه قبلة الوداع الأخير. لقد فاجأنا بموته ونحن نيام! ولكن "ابو عشتار" سيبقى حياً في ذاكرتنا بلوحاته ورسائله المرحة ونكاته الطيبة والهادفة, فإلى عائلته الكريمة وأصدقائه ومحبي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram