علي حسن الفوازإذا جاز لنا ان نقترح تعريفات واسعة ومتعددة للأمن للثقافي فإننا نضع أنفسنا أمام غابة من التقاطعات، بين من يؤمن بحقيقة وجود هذا الأمن ويؤكد أهميته وضرورته وفاعليته في تنظيم العلاقات الحية داخل اي مجتمع متعدد الأطياف والهويات واللغات وحمايتها، وبين من يجد ان هذا الأمن هو وهم كبير تصنعه السلطات للحفاظ على أنماط حكمها السياسي وخصوصية موجهاتها في سياق إنتاجها لما يسمى بالأمن الوطني او الأمن القومي،
وما يتعلق بإنتاجها للأوهام الكبرى التي تعزز سلطتها على مستوى النمط السياسي او الايدولوجيا او المعسكر او نموذج الديكتاتور والمستبد والعراب..هذه الخصوصية للأمن الثقافي تنطلق من طبيعة ما يتعلق بتاريخ أزماتنا العميقة الأثر في أنماط خطابنا السياسي والفكري والأخلاقي، اذ ان كل أزماتنا ظلت تحمل وجها غائبا او مسكوتاً عنه لمفهوم الأمن الثقافي. العاطل تحت اوهام التخندق والتماهي والخوف من الاستبداد والهيمنة او الرغبة في السيطرة على الآخر واستعباده، رغم ان كل هذه الأزمات هي في جوهرها نتاج لازمة(السلطة ذاتها) وسوء قراءتها صراع الهويات والحاكميات والثقافات والمصالح، والتي لم تستوعب أنساقها الخاصة والعامة وحدود ما تملكه وتحوزه من قدرات وما يملكه الآخرون من فاعليات، فضلا عن ان كمون الامن الثقافي تحت هذه الاوهام يعني أساسا غياب معرفة هذه الانساق والحدود وتشوه السعي لإيجاد التفاهمات والتفاعلات التي يمكن أن تؤكد وعياً مضاداً أما هو فيقيني في الأنساق التاريخية التي صنعتها انماط الحكم والمهيمنات السياسية والدينية/الفقهية، ومهيمنات القبيلة والطائفة وغيرها من المنظومات الفاعلة في مرحلة ماقبل الدولة..تاريخ علاقاتنا داخل اطر الدولة القديمة والعشيرة والتنظيمات الاجتماعية الأخرى لا يحمل أية مرجعيات واضحة ومحددة لما يسمى بالامن الثقافي، اي الامن الذي يحفظ مكونات الهوية واللغة والوجود، والذي يضمن الشروط الإنسانية والحقوقية للتصرف المكفول بهذه المعطيات، لان هذا الامن مرهون بهيمنة فاعلة وقوية لمايمكن ان نسميه بالامن السياسي باعتباره الامن العمومي وامن النخب الحاكمة والحافظ لمصالحها، والضابط لعلاقتها مع الجماعات في المجتمع السياسي..لقد كان الامن السياسي هو(الظاهرة) المعرّف بها وهو الصياغة القانونية والرسمية التي تقرها وتتداولها الاطر السياسية العامة، لان تعريف الأمن السياسي كما تحدده اللوائح يرتبط بنسق السلطة وحدودها وطبيعة العلاقة معها، فضلا عما يتضمنه من تعريفات ثانوية ترتبط بتحديد السياج الدستوري للدولة كمنظومة سياسية دولية معترف بها وكذلك تحديد سياقات معينة للممارسة السليمة لهذا السياج الدستوري، وأحسب ان الأمن السياسي في ظاهرة الدولة القومية هو المنتج لأشكال أخرى من الامن، مثل الاجتماعي بمعناه العام المانع لحدوث الجرائم والاختراقات الاجتماعية، وكذلك الامن الاقتصادي الذي يشكل واحدة من الأساسيات الفاعلة في(صناعة الدولة) وبقائها وسلامة نظامها السياسي والاجتماعي، اذ لا امن سياسياً بدون امن اقتصادي، حيث يعرّف هذا الامن بانه آلة الإنتاج الوطني المستقلة أو غير المرتهنة على الأقل.ولعل التطورات السياسية الدولية والحديث الواسع حول حقوق الانسان والحريات خاصة بعد الازمات الدولية اقترحت نوعا آخر من الافكار التي تخص ما يسمى بالأمن الاجتماعي، اذ يرتبط هذا الامن بتأمين شروط الحراك الاجتماعي وصياغة الاطر القانونية والقيمية (التشريعية والدستورية) والتي تضمن في قوانينها للمواطن وجودا مكفولا بالوجود والمعيش والحقوق داخل المجتمع بضمان الدولة، وان علاقته بها هي علاقة(المواطنة) التي تساويه في الحقوق والواجبات مع الآخرين، فضلا عن ارتباط هذا الامن أيضاً بصياغة معادلات واضحة للعدالة الاجتماعية وبناء نظام للارتقاء الاجتماعي والتربوي والتعليمي والسعي الى وضع المناهج التربوية والقوانين الناظمة لسلسة القيم العليا التي تمثل ضمير الشعب وتعبّر عن وعي تحولاته وحاجته الى الامن لضمان حراك قواه الاجتماعية وتنمياته البشرية ومستقبلها.rnالامن السياسي..الامن الثقافي..إزاء كل هذا، كيف هو الحديث عن الأمن الثقافي، وسط حديث مازال غائباً عن اشكال أخرى للأمن العمومي، لان غياب الأمن الثقافي يمثل ابرز الأسباب التي تتعلق بأزمات هذا الامن وتشوهاته وتاريخ ضحاياه الكثير، مثلما يرتبط بأزمات الأنظمة السياسية وأزمات الحرية والحقوق والعدالة والديمقراطية، لان الثقافة تعني العمل والتعلّم والمعرفة والمشاركة السياسية وفاعلية الرأي والرأي الآخر، فضلا عن أن الأمن الثقافي يعدّ تعبيرا جديدا للتعرّف على أزمات ومحن واقع قديم كان يبحث خلال تاريخ صراعاته عن حلول مستقلة في عملية النشوء المعقد الذي اقترنت به الأمم في ارتقائها وهبوطها. للوهلة الأولى يبدو الحديث عن الأمن الثقافي غامضا ومفتعلا بسبب طبيعة الالتباس الذي يحوطه مصطلحا ومفهوما، وكذلك ما يثيره من أسئلة تتعلق بإعادة إنتاج العلاقة مع مشكلات قديمة ضمن سياق الامن العمومي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعلنا إزاء هذه الحقيقة نفترض قراءة متجددة للواقع والخطاب والتاريخ، فضلا عن التعرّف على مشهد عميق للازمات التي اعتورت المشهد العراقي منذ عقود طويلة، ارتبطت في جلّها مع السلطة والايدولوجيا، وانتجت لنا تاريخا طويلا للرعب السلطوي والسياسي ورب
الأمن الثقافي / الأمن الوطني..أسئلة فـي فوبيا الدولة العراقية
نشر في: 25 مايو, 2010: 05:20 م