حازم مبيضين بالقلم العريض والفم الملآن وعلى رؤوس الأشهاد، وفي محاولة بائسة لإرباك موقف المفاوض الفلسطيني أعلن رئيس المكتب السياسي لحماس الشيخ خالد مشعل، وهو يحاول تجديد تقديم أوراق اعتماده للإدارة الأميركية، بأن حركته لا تعارض إقامة الدولة الفلسطينية
على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وهو بذلك يؤكد عدم التمايز عن السلطة، التي تصر على هذين المطلبين وتفاوض لإنجازهما، لكنها واقعية أكثر حين تعلن أنها مع الاعتراف بإسرائيل امتثالاً لاشتراطات المجتمع الدولي، في حين تناور حماس في هذا الأمر، وكأن قبولها بالدولة الفلسطينية على حدود 67 ، لا يعني رضوخها لمبدأ وجود إسرائيل على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية.يتجاوز مشعل عن معرفتنا بالحوارات السرية والعلنية، وتلك التي تتم عبر وسطاء مع القادة الإسرائيليين، ليحاول الإيحاء أن ليس لدى حماس ما هو مخبأ تحت الطاولة في قراراتها واتصالاتها السياسية، لكنه يغازل المبعوث الأميركي جورج ميتشل، محاولاً إقناعه بالتفاوض مع حركته، حين يشير إلى الفشل المحتمل لمهمته، استناداً إلى وجود أغلبية فلسطينية ترفض المساومة، والأغلبية التي يتحدث عنها هنا هي الحماسيون من أتباعه، وهو لا ينسى أن طبيعته تفرض عليه العودة إلى لغة التهديد الفارغ التي اعتادها، حين يشير إلى أن أي مسؤول فلسطيني لن يجرؤ على القبول بما يعرضه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.كل هذا يأتي بعد أن فهم مشعل خلال محادثته مع الروسي ديمتري ميدفيديف، إبان زيارته لدمشق مؤخراً، أن الطريق إلى الحل يمر عبر واشنطن وليس سواها، وأن مطالبته لميدفيديف برفع الحصار عن قطاع غزة، تشبه النكات التي لا تضحك حتى مطلقيها، لأن القوات الروسية لا تحاصر القطاع، ولأن موسكو عاجزة عن فرض ذلك على الجيش الإسرائيلي، ونحن معه في أن أربع سنوات من الحصار تكفي، ومعه أيضاً في أن على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية للتحرك في هذا المجال، لكننا نود تذكيره بأن لذلك ثمناً على حماس أن تدفعه، سواء رضيت بذلك أو أرغمت عليه.مشعل يعود لتكرار نفس الاسطوانة القديمة المشروخة حين يطالب بانتفاضة للدول العربية والمسلمة، ويطالب بقرار عربي يكسر الحصار عن قطاع غزة، وكأن المحاصرين عرب أقحاح، أو كأن إسرائيل تتلقى الأوامر من العواصم العربية، ويتغافل وهو يغازل الإدارة الأميركية ويتهم واشنطن بعرقلة المصالحة الوطنية عن أن حركته هي سبب الشقاق، وأن اشتراطاتها التعجيزية هي المانع الأساسي في إنجاز تلك المصالحة، ومتجاهلا أن لا مصلحة للإدارة الأميركية في استمرار حكم حماس للقطاع، وهو يعتمد في قناعاته هذه على ما يقول إنه سمعه من قادة عرب، لم يعرف عنهم يوماً تناغمهم مع سياسات واشنطن، وهو من بعد كل هذا الغزل الموجه لواشنطن وتل أبيب، يؤكد بصورة مثيرة للسخرية على تمسك حركته بالمقاومة باعتبارها خياراً إستراتيجياً رغم الظروف الصعبة، ويواصل إطلاق سهامه في كل الاتجاهات، فيتبجح بدعوة الأردن للعمل على إجهاض مشروع التوطين الإسرائيلي، وكأن القيادة الأردنية تجهل هذه المخططات أو تتغاضى عنها.ببساطة مطلقة، لو حاول أي مراقب سياسي قراءة ما بين سطور تصريحات مشعل، لاكتشف أن الرجل يتوجه إلى واشنطن طالباً الود والوصال، ولا ينسى أن يقدم عربونات متعددة، تبدأ بالكشف عن الاستعداد لسرقة دور السلطة والالتزام به كاملاً ، أو حتى القبول بما ترفضه تلك السلطة على طريق الحل السلمي، ويعلن إمكانية التخلي عن التبعية لإيران، باعتبار أن العرب سيعوضونه عن دعمها المالي، وهو يعلن بالفم الملآن استعداده لتقديم المزيد فقط لو تكرمت واشنطن بالحديث معه ولو على مستوىً شديد الانخفاض.
خارج الحدود ..مشعل يغازل واشنطن
نشر في: 25 مايو, 2010: 05:54 م