د.خالد السلطاني ... امتلك في ارشيفي الخاص مجموعة صور لاربع لوحات مرسومة من قبل " جبرا ابراهيم جبرا " ، تعود الى فترة الخمسينيات وتحديدا الى 1951- 1957 . لا اعرف بالتحديد مصير هذه اللوحات ، واين الان مستقرها ؛ وازعم بان الكثيرين من محبي نتاج " جبرا " لا يعرفوا عنها الكثير ، كما انها لم تظهر في غالبية المطبوعات التى تناولت ارث " جبرا " الفني .
لا يشك احد بان انجازات العقد الخمسيني في الثقافة العراقية كانت انجازات مهمة ومتشعبة وتجديديةً ، وربما ساهمت انجازات ذلك العقد " البطولي " : الفريد وشديد الثراء في خلق مبدعيه المعبرين عن منجزه المتشعب والمتنوع بصدق وجلاء واضحين ؛ وقد يكون حدث " مصادفة " تواجد العدد الكبير من المبدعين ابان تلك الفترة ، هو الذي اكسب تلك المرحلة الزمنية من تاريخ العراق الثقافي تلك الاهمية الفائقة ؛ الاهمية التى ما برحت تأثيراتها تبدو واضحة وقوية على مسار تطوّر مجمل الاجناس الابداعية العراقية . وايا ً يكن الامر ، فان العقد الخمسيني سيظل يمثل اهمية استثنائية في سجل المعطى الثقافي العراقي ، نظرا لتشعب ذلك المعطى وشموليته ونَفسَه التجديدي ، .. وأحد الذين عبروا وساهموا وابدعوا في تلك الفترة هو " جبرا ابراهبم جبرا " (1920- 1994 ) – " الكاتب الشمولي الموسوعي " ، بحسب وصف " فخري صالح " له ، والذي تحل ذكرى رحيله الحادية عشرة في هذه الايام .يتعين التأكيد بادئ ذي بدء ، بان جبرا ابراهيم جبرا ، وبحكم مرجعياته الثقافية الرصينة والمتنورة قد وعى بصورة جيدة اهمية الاحداث الدراماتيكية والتجديدية التى كان يمور بها المشهد الثقافي العراقي وقتذاك ، تلك الاحداث التى افضت في النتيجة الى تكريس مفاهيم جديدة وحداثية في مجالات ثقافية عديدة ساهمت ، بالاخير، في تغيير الذائقة الفنية وبدلت من اساليب التعاطي للمنجز الثقافي بتجلياته المتنوعة . كما ان ذلك الوعي اقترن ايضا لدى " جبرا " بممارسة نشطة وجادة ومتنوعة في مجمل المنجز الثقافي العراقي ، فهو اضافة الى كونه روائيا وناقدا فنيا ، ومترجما وصحفيا ، فانه ايضا .. رسام ، ساهم بابداعه الفني في ترسيخ مبادئ التجديد والحداثة في الفن العراقي ، جنبا الى جنب اصدقائه وزملائه في " جماعة بغداد للفن الحديث " .قد يجادل المرء في اساليب ونوعية اصطفاءات " جبرا " الثقافية ، ومسعاه في تركيز الانتباه باتجاه جانب محدد ومنتقى من الثقافة العراقية ، ولا سيما في تجلياتها الفنية ، وعدم اكتراثه وحتى تغاضيه عن تناول الجوانب الابداعية الاخرى من تنوعيات الفن العراقي التى اكسبت ذلك الفن ثراء اسلوبيا واسست لاصالته المتميزّة . بيد ان الامر الاكيد بان مسعى " جبرا " التنويري والتجديدي كان امرا واضحا ومعترفا به . فقد ظل ، بفضل معرفته الواسعة لاساليب النقد الحديث وتنوع نشاطه الثقافي مرجعا ً رصينا ً ومعتمدا ً لانجازات الفن العراقي الحديث وخصوصا في سنينه التأسيسة ، ولم تقتصر متابعته في الشأن الفني فقط ، وانما شملت جميع اجناس الثقافة الاخرى ، بضمنها العمارة العراقية الحديثة ، التى كان " جبرا " احد المعجبين والمتابعين والمروجيّن لانجازاتها على مدى اكثر من اربعة عقود ، وهي الفترة التى وصل بها الى العراق أول مرة عام 1948 ، قادما من بلده فلسطين ، ولحين وفاته عام 1994 . واعد شخصيا روايته " صيادون في شارع ضيق ") التى ظهرت ترجمتها الى العربية سنة 1974 ) بمثابة ايماءة اعجاب الى بيئة بغداد المبنية ومناخها " المتروبوليتاني " من خلال الحضور المميّز لشارعها المهم في الرواية : شارع الرشيد – الجادة الاكثر شهرة وفخامة في فضاء العاصمة العراقية . كما اذكر زيارتي له بالتسعينيات في دارته بالمنصور في شارع الاميرات ، الشارع الذي خلده بكتابه "شارع الاميرات " الصادر عام ( 1994) ، للاستفسار منه عن نشاط المصور الفوتوغرافي " جاك برسفيل Jack Persival " ، الذي عمل معه في مجلة " اهل النفط " في الخمسينيات ، والذي سجل بعدسته الرائعة منجز العمارة العراقية الحديثة بشكل خاص ، والبيئة المبنية والاجتماعية العراقية بشكل عام ؛ وقدمّ لي ، في حينها ، جميع المعلومات التى اكتنفت حياة ونشاط هذا الفنان الانكليزي ، الذي يعود له الفضل في تأسيس فن " الفوتوغراف " العراقي الحديث . ... امتلك في ارشيفي الخاص مجموعة صور لاربع لوحات مرسومة من قبل " جبرا ابراهيم جبرا " ، تعود الى فترة الخمسينيات وتحديدا الى 1951- 1957 . لا اعرف بالتحديد مصير هذه اللوحات ، واين الان مستقرها ؛ وازعم بان الكثيرين من محبي نتاج " جبرا " لا يعرفوا عنها الكثير ، كما انها لم تظهر في غالبية المطبوعات التى تناولت ارث " جبرا " الفني . اقدم هذه اللوحات الى القارئ ، داعيا النقاد المختصين لابداء الرأي فيها ، محاولا هنا ، ابداء تعليقات شخصية وسريعة عنها .تنتمي جميع اللوحات الاربع الى خصوصية " المناخ " الطليعي والتجديدي الذي كان سائدا في الخطاب الفني العراقي بالخمسينيات ، المناخ المتـّطلع نحو المقاربا
جبرا ابراهيم جبرا رساماً
نشر في: 26 مايو, 2010: 04:57 م