اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > مــلائـكــة أم وحــوش؟

مــلائـكــة أم وحــوش؟

نشر في: 26 مايو, 2010: 05:30 م

رجينا يوسفأطفال الشوارع، أطفال الإشارات، أولاد مشرّدون... تسميات عدّة لمأساة واحدة. لا تكاد عاصمة أو مدينة عربية تخلو من مشهد طفل يهرع وراء المارة والسيارات طلباً للمعونة والمال. هذا يعرض عليك شراء علكة،
وذاك يطلب أن يغسل زجاج سيارتك. وأنت لست دائماً عطوفاً. ربّما  أنت لست دائماً أنت.فكم من مرّة شعرت بالإشمئزاز من هؤلاء الأولاد وأغلقت نافذة سيارتك أو أسرعت مهرولاً وأنت منزعج من تطفّلهم ووقاحتهم؟ ينتقد كثيرون تشرّد الأولاد، ويرجعون ذلك إلى جهل الأهل وعدم تحمّلهم مسؤولية من أنجبوا. وإن تحدث الناقد، فهو ينسبهم الى فئة معينة أو طبقة إجتماعية مُعدَمة ومتخلّفة، ويردف بالكلام ليظهر لك أنه مختلف عنهم، وكأنّ أطفال الشوارع قدموا من عالم غير عالمه ومجتمع بعيد كل البعد عن مجتمعه، ويتناسى كل ما طرأ ويطرأ على بلادنا من حروب وإنتكاسات إقتصادية. فكيف للطفل العراقي - على سبيل المثال - الذي رأت عيناه النور لأول مرّة وهو مرميّ على حافة رصيف، أو قتل والده أيام نظام صدام حسين أو  أثناء الغزو الأميركي، أو كان لقيطاً نتيجة عملية إغتصاب... كيف له أن يتحمّل وزر المأساة واللوم وهو الذي لم يعرف يوماً معنى الحنان والحب والجو العائلي؟ فإذا كان 60 في المئة من الشعب العراقي يعيشون تحت خط مستوى الفقر حسب إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ونسبة البطالة 50 في المئة، فماذا تنتظر من طفل وجد نفسه وحيداً أمام جبروت الإنسان وطمعه وقسوة حياة الشارع؟ وكيف لأطفال بيروت وضواحيها ( 28 في المئة من الأسر اللبنانية تعيش تحت خط الفقر ومن ضمنها 7 في المئة تعيش تحت خط الفقر المدقع) أن يتحولوا إلى عباقرة ومثقفين وهم لم يختبروا سوى المآسي الواحدة تلو الأخرى، ولم يفقهوا من الحياة سوى التسول لإلتقاط لقمة أو قرشً قد لا يرد عنهم غائلة الجوع بعد كل هذا التذلّل؟ 30 في المئة من السكان في سوريا فقراء، ومليونان منهم يعيشون تحت خط الفقر. وفي مصر أكد تقرير للمجالس القومية المتخصصة أن أكثر من 53 في المئة من الأطفال لا يحصلون على الطعام اللازم. وفي غزّة تشير التقارير المحلية الى أن 90 في المئة من الأطفال يعيشون في ظل فقر قاتل بسبب الأزمة الإقتصادية الناجمة عن الحصار، وهم يعتاشون على المساعدات الإنسانية كمصدر رئيسي للبقاء. و35 في المئة من سكان المغرب من الفقراء. كما تؤكد الإحصاءات أن 55 في المئة من سكان السعودية هم أيضاً من الفقراء الذين لا يمتلكون منزلاً يعيشون فيه. ومع كل هذا التفاوت في نسبة توزيع الثروات بين مواطني البلد الواحد، وعدم توافر خدمات ومساعدات تقدمها الحكومات لأصحاب الدخل المحدود أو الفقراء المعدمين، كيف يحقّ لنا أن نصدر أحكاماً عشوائية ونلقي باللوم على أطفال إعتادوا الذّل والقمع. هذه الفئة التي لم تذق طعم الشوكولاته ولم تلمس لعبة مستوردة أو تختار ثوباً جديداً بل هي تعيش على فضلات الحياة وتفرح بها، وتتعرّض يومياً لأسوأ أنواع العنف والإستغلال الجسدي.إن غضبنا على هذا الوضع يوجب علينا وضع الحلول والقيام بتغييرات جذرية في أنظمتنا. ولنعلم مسبقاً أن معضلة الفقر في مجتمعاتنا سهل إصلاحها. ألا يرى الغني والمسؤول ما آلت إليه حال البلد؟ وهل الفقر عيب؟ أم ان التسوّل خطيئة أو جريمة يحاسبنا الخالق والقانون عليها؟  هل نُلقي اللّوم على الأطفال ونتّهمهم بتشويه صورة الوطن الجميل بناطحات سحابه، وقلب المدينة النّابض بالحياة وكل مظاهر الرفاهية والغنى لدرجة الفحش والمجون؟ صدق زياد الرحباني حين كتب كلمات أغنية "أنا مش كافر بس الجوع كافر...."؟كيف كان لنا أن نحلم بالحياة الرغيدة الميسورة لولا الأموال الكثيرة لفئة لا تتجاوز العشرة في المئة في بلادنا؟ كيف كان لنا أن يؤلمنا الفقر لو لم نر الفارق الكبير بين المعدم والغني؟ لا نحسد الثري على ماله بل ننتقد الوسيلة التي تبرّر الغاية إن صحّت لفئة معينة وحرّمت على أخرى. ألم يكن الجوع سبباً أساسيّاً لتسوّل هؤلاء الملائكة؟ نعم إنّهم ملائكة يحوّلهم الظلم في المستقبل إلى وحوش، وننسى مع الوقت آلامهم وننزل عليهم أبشع الأحكام إن إرتكبوا جرماً، وننسى أيضاً أنّهم كانوا يوماً ضحايا لوحوش نهشت وتنهش الحياة من أرواحهم. وهناك أيضا أسباب أخرى تدفع الى التشرد وهي،أن يكون الطفل "إبن زنا" كما يسمّونه، فحتى الزنا في مجتمعاتنا لا يطول سوى الفقراء! وكم من "إبن زنا" أصبح "إبن حلال" بفضل المال، بينما لا يحاسب سوى الفقير على أخطائه الأخلاقية، والغني يلبس ثوب العفة وإن كان شيطاناً. ولهذه الفئة من البشر لا أستطيع إلا أن أتساءل: هل هم وحوش أم ضحايا؟ وهل يحق لي أن أنبذهم وأحتقرهم وأطلب منهم أو أطالب مسؤولينا بأن يمنعوا عنهم مهنتهم دون تقديم البديل؟ أوجدوا الأمان لهم وبعدها أصدروا الأحكام. إن نفسي تمقت رؤية متسوّل في بلد أوروبي يقدم للفرد حقوقه، ولكن في دولنا العربية فإن نفسي تمقت حكّامنا فقط.وهل صحيح" لولا وجود الشيطان لما وجد اللّه"... بحسب قول جبران خليل جبران في كتابه &q

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram